# نوفيـــلا ـ إلتقــاء ـ بعــد ـ الفـــراق
# الحلقـــة ـ التـاسعـــــة
# لريهــام ـ ناجـــــي
"تناثرَ الشّوقُ مِن رُوحِي الّتي تَعبَت، والشّوقُ إن لاحَ كيفَ المرءُ يُخفِيهِ؟"
ـ حل الليل في كندا، وجاء دكتور هيثم لخطبة مريم.
ـ كانوا يجلسون في الصالون كلًا من شامة وسناء وكيان ومريم، وكان هيثم يجلس بالكرسي المقابل لهم؛ ليبدأ هيثم في الحديث مردفًا:
ـ هيثم: احم، طبعًا حضراتكم عارفين أنا جاي ليه، وأنا أتشرف بطلب إيد الآنسة مريم من حضرتكِ، وإني أبقى واحد منكم.
ـ سناء: طبعًا يابني، لينا الشرف إنك تكون واحد مننا، وتبقى جوز بنتي، ولو عليا أنا موافقة، بس نشوف رأي عروستنا.
ـ لتنظر لمريم، لتهز مريم برأسها دلالة على موافقتها.
ـ سناء: على خيرة الله، ربنا يباركلكم ويتمملكم على خير.
ـ ليؤمن الجميع على حديثها، ليقرأوا الفاتحة بعدما اتفقوا على كل شيء.
ـ لتسأل سناء هيثم: أمال أهلك فين يا بني؟ مجوش معاك ليه؟
ـ ليرد هيثم: أهلي عايشين في مصر، وبابا الله يرحمه، ومامتي وأختي عايشين مع بعض، بس أنا عايش هنا عشان شغلي وحياتي هنا، وإن شاء الله في أقرب فرصة هنزل عشان يحضروا الخطوبة؛ لإني اكتفيت باتصال قولتلهم فيه إني هخطب.
ـ سناء: ربنا يوفقك يابني.
ـ ليتحدثوا قليلًا، ومن ثم غادر هيثم وذهب كلًا منهم إلى وجهته، حيثُ شامة التي لجت لغرفتها؛ لتدثر كيان في الفراش لنومها على ذراعيها أثناء حديثهم، ومريم التي دلفت لغرفتها؛ لتبدل ثيابها، وفعلت سناء المثل.
ـ بعــد قليل لجت سناء من غرفتها متجهة إلى غرفة مريم، ودقت على باب الغرفة؛ لتأذن لها مريم التي كانت جالسة تعمل على اللاب توب الخاص بها بالدلوف.
ـ اتفضل.
ـ دلفت سناء وهي تسألها ماذا تفعل.
ـ سناء: بتعملي إيه؟
ـ مريم وهي تنظر إليها: كان في شوية شغل بخلصه، في حاجة؟
ـ سناء: أيوة، عايزة أتكلم معاكِ.
ـ مريم وهي تضع اللاب من يديها وتنتبه لوالدتها: خير يا ماما، في إيه؟
ـ سناء: خير يا حبيبتي.
ـ لتجلس سناء بجوارها وهي تربت على شعرها وتردف:
ـ أنا فخورة بيكِ يا حبيبتي.
ـ مريم بضحكة: يا سلام، وأنا أطول ست الكل تبقى فخورة بيا كدا، بس ليه، عملت إيه خلاكِ فخورة بيا كدا؟
ـ سناء: لإنك موقفتيش حياتك بسبب اللي حصل معاكِ من أربع سنين، ووافقتِ على دكتور هيثم ونسيتِ اللي حصل.
ـ لتقاطعها مريم قائلة: بس أنا منستش اللي حصل يا ماما، لسه بيمر قدام عيني كإنه امبارح.
لتكمل بغصة مريرة والدموع تترقرق في مقلتيها: بس أنا فاكرة كلام بابا ليا الله يرحمه قبل ما يموت، في اليوم دا قالي اوعي يا مريم توقفي حياتك على اللي حصل؛ لإني مش هاخد منه غير وجع القلب، قالي أكمل حياتي وأدي لنفسي فرصة تانية إنها تعيش وتحب، قالي الرجالة كلها مش زي بعض يا مريم، قالي فيه اللي بيوفي بوعده، بس أنتِ اللي معرفتيش تختاري الشخص الصح، وقالي كمان أستنى الشخص الصح لحد ماييجي وقته، وأظن الوقت جه يا ماما إن أدي نفسي فرصة تانية مع هيثم، وأنا متأكدة إنه هيصوني.
ـ سناء بطيبة ودموع في مقلتيها لتذكرها زوجها: ربنا يسعدك يا بنتي، ويعوضك أنتِ وأختك، ويريح بالكم يارب.
ـ لتؤمن مريم على دعائها، ومن ثم ذهبت سناء إلى حيثُ غرفة شامة؛ لكي تطمئن عليها وتسألها عن وقت سفرها إلى مصر، دقت على الباب؛ لتأذن لها شامة بالدلوف، دلفت سناء ووجدت شامة تعد وتحزم الشنط لسفرها لمصر التي أتت إلى كندا من أربعة أعوام، هاربة منها وتاركة زوجها، وضاربة بحبها له عرض الحائط، بعدما أقسمت بعدم العودة إليها مرة أخرى، والآن هي عائدة إليها في الغد مرة أخرى وبإرادتها، ياللا هذا القدر، إنه غريب حقًا.
ـ شامة وهي تترك ما بيديها وتسأل والدتها باستفهام: خير يا ماما تعالي، في حاجة؟
ـ سناء: خير يا حبيبتي، كنت جاية أسألك هتسافري إمتى؟
ـ لتتنهد شامة بحزن وكأن هناك ثقل على صدرها: هسافر بكرا يا ماما إن شاء الله، الورق وكل حاجة جاهزة.
ـ سناء باستفهام: هتسافري الساعة كام؟
ـ شامة: طيارتي الساعة 1 بعد الضهر.
ـ سناء: طيب يا حبيبتي، ربنا معاكِ.
لتكمل حديثها بتساؤل: ناديم مش هيسافر معاكِ؟
ـ شامة بإيجاب: ناديم سافر النهاردة يا ماما.
ـ سناء بدهشة: من غير ما يقول!
ـ شامة: كل حاجة جات فجأة، وملحقش يجى يسلم عليكِ، وبيعتذر منك.
ـ سناء: طب وليه مستناش يسافر معاكِ؟
ـ شامة: كان لازم يسافر قبلي عشان يظبط كل حاجة هناك.
ـ سناء وهي تنهض: طيب ياحبيبتي، تصبحي على خير.
ـ شامة: وأنتِ من أهله يا حبيبتي.
ـ لجت سناء للخارج، وأطفأت الأنوار إلا من نور خافت يضيء المكان؛ كي لا يتعثر أحد بالظلام، ومن ثم اتجهت إلى غرفتها؛ كي تريح جسدها.
ـ كان يجلس بغرفته في الظلام ساكنًا، بعدما عاد الأمس من الخارج بوقتٍ متأخرٍ؛ كي لا يضطر لمواجهة والدته مرة أخرى، ويتذكر ذكرياته مع معشوقته ومعذبة قلبه، كعادته كل يوم، ويسأل نفسه: ألم تشتاق إليه مثلما يشتاق إليها؟ هل حقًا نسته ولم تعُد تتذكره؟
ليقطع شروده وانغماثه في ذكرياته طرق على الباب، الذي لم يكلف نفسه عناء أن ينهض ويفتحه؛ ليرى من الطارق، فقد سئم كل شئ، لا يريد التحدث مع أحد، ولا يريد النظر إلى أحد، يريدها هي فقط؛ فهي من تملأ عالمه الفارغ، هي من كانت تؤنس خلوته، هي فقط القادرة على إرجاعه لحياته مرة أخرى، حياته البائسة من دونها؛ لقد مزق الشوق قلبه، ولكنه مازال عنده يقين بأن الله سيجمعه بها قريبًا؛ ستعود لأحضانه مرة أخرى، ولحين مجيئ ذاك الوقت سيبقى بانتظارها.
ـ نهض حمزة من مكانه وهو يتنهد بضيق من الطارق؛ فهو لا يكف عن الطرق على الباب وكأنه آلة طبل عازفة؛ فهو يعلم جيدًا من يكون ذاك الغليظ، نعم، إنه صديقه المُقرب إليه؛ فعندما يأتي إليه يفعل مثل تلك الحركات، ولكنه صديقه الذي يخفف عنه آلامه بعدما رحلت هي؛ ليفتح له وهو يردف بغيظ:
ـ حمزة: عايز إيه يا زفت؟ إيه، نازل تخبيط تخبيط.
ـ مازن بضحك: أعمل إيه بقى؟ بحبك وأنت اللي بارد مش راضي تفتح، بقى بتكنسنلي أنا يواااطـي.
ـ حمزة ببرود: الكلام دا ليا أنا؟
ـ مازن بتصنع الخوف: احم، طبعًا لا يا باشا.
ليكمل حديثه بغيظ من برود حمزة: دا واحد واقف قدامي بارد أوي.
ـ حمزة ببرود كعادته: عايز آيه؟ اخلص، جاي ليه؟
ـ مازن بتنهيدة حزن على صديقه: مجتش الشغل ليه يا حمزة؟
ـ حمزة بضحكة سخرية: هي قالتلك؟
ـ مازن بصراخ: حمــــــــزة، متنساش إنها مامتك وعايزة مصلحتك.
ـ حمزة بصراخ هو الآخر: عايزة مصلحتي تسبني في حالي، مش تجبلي بنت خالتي اللي بعتبرها أختي وتقولي خد اتجوزها، وتفضل كل شوية تزن فوق دماغي بنفس الموضوع ونفس الكلام.
ليكمل بحزن وصوت اختنق بالدموع التي سالت على وجنتيه:
ـ أنا تعبت يا مازن، معنتش قادر، أنا مش قادر في بعدها يا صاحبي، صاحبك بيموت من غيرها يا مازن.
ـ ليركع في الأرض على ركبتيه وهو يبكي ويشهق بألم شق صدره.
ـ أنا بمووت بالبطيء يا مازن في غيابها، أنا عيشت الأربع سنين دول في عذاب، واستحملت على أمل إنها ترجع، بس لحد إمتى؟ خلاص يا صاحبى فاض بيا، معنتش قادر، معنتش قادر.
ـ لينهار حمزة كليًا، ليهرول إليه مازن والدموع تترقرق في مقلتيه على صديقه المُقرب، وهو يقوم باحتضانه ويربت على ظهره بحنان؛ ليخفف عنه آلامه ولو قليلًا ويهدئه وهو يردف:
ـ اهدى يا حمزة، اهدى يا صاحبي، هترجع، هترجع إن شاء الله، والله أنا حاسس يا صاحبي إنكم هتتلاقوا قريب، خلي عندك ثقة ويقين بالله.
ـ ظل مازن في محاولة منه لتهدئته، وهو يلقى على مسامعه آيات قرآنية، حتى غفا حمزة في أحضانه، قام بحمله ودثره في الفراش وظل بجواره قليلًا، حتى هدأ وغط في ثباتٍ عميق.
ـ ذهب مازن بحزن على صديق دربه، بعدما طلب من حكمت والدة حمزة بعدم الضغط عليه وتركه لحاله؛ حتى يهدأ، حتى لا تسوء حالته كثيرًا.
ـ شـــامــــــــــة، شـــامــــــــــة، الحقينـي، متسبنيش لوحدي يا شامة، الحقينـي يا شامة هموت من غيرك.
ـ هرولت إليه شامة وهي تسأله من يكون، وهو يكتفي بالاستنجاد بها، ظلت تركض وتركض حتى وصلت إليه؛ لتعاود عليه السؤال من يكون، ليلتفت لها ذاك الشخص، لتنصدم شامة مما رأت؛ فكان حمزة ساكن قلبها الذي ورغم سنين الحرمان التي عاشتها بعيدة عنه، مازال يسكن فؤادها؛ فكان أنفه ينزف بكثرة، وكان وجهه مليء بالدماء، حاولت شامة ملامسة وجهه والدموع تترقرق في مقلتيها وهي تردف باسمه بصوت خافت، ولكنه كان يرجع للخلف، وظل يرجع ويرجع حتى لختفى من أمامها، وظلت هي واقفة تصرخ باسمه.
ـ شامة بصراخ وهي تنهض بفزع من الفراش: حمـــــــــزة.
ـ حولت نظرها بكل مكان بالغرفة وصدرها يعلو ويهبط وهي تردف بصوت هامس:
ـ حمزة، حمزة مش كويس.
لتكمل بدموع سالت على وجنتيها: يارب احفظه واحميه يارب، يارب يكون بخير.
ـ كانت تتسحب إلى غرفته ببطءٍ شديد، خشيةً من أن يراها أحد، ويكشف أمرها، هرولت إلى غرفته عندما لم تجد أحد يعوق تسللها إلى غرفته، دلفت للغرفة وجدت الظلام يحاوطها، وهو يتمدد على الفراش والتعب والإرهاق يجتاح ملامحه، اتجهت إليه وجلست بجواره في محاولة منها للتتحسس وجهه، ولكنه أوقفها عندما أمسك بكلتا يديها وهو يرمقها بغضب جحيمي:
ـ حمزة بغضب: أنتٍ بتعملي إبه هنا؟
# يتبــــــــع...