#الكاتبة_ريهام_ناجي
{يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْته، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ}.
•••
_كُنت قاعدة فِي البَلكونة مع كوباية الشاي بالنعناع، بعد ما خلصت مذاكرة، قاعدة بفكر في البنت اللي اتقتلت النهاردة قدام جامعتها، الناس واقفة تتفرج، محدش فيهم فكر يعمل حاجة وينقذ نيرة، متحركوش غير بعد ما حصل اللي حصل، قد إيه قلوبهم بقت حجر! صدقت يا الله في قولك: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.
لو كُنت أنا مكانها كانوا أهلي هيعملوا إيه؟
وهل كُنت هلاقي ناس لسه ضميرهم صاحي ياخدوا حقي، ويعاقبوا المجرم دا؟
وهل أنا مستعدة أصلًا علشان أقابل ربنا؟
قعدت أفكر في علاقتي مع ربنا، وهل أنا مقصرة معه ولا لا، واكتشفت إن كلنا مقصرون، ربنا يستاهل منا أحسن من كدا، ربنا قال: {يا عِبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوب جميعًا، فاستغفرونِي أغفر لكم}.
احنا مش معصُومين من الخطأ؛ لكن الخطَأ الأكبر إنّنا منرجعش لربّنا ونستغفرُه، فضلت أفكر وأفكر، هل اللي احنا عايشين فيه دا حقيقي؟
احنا بقينا عايشين في غابة، فعلًا صادق اللي قال المقولة دي: "لا شيء يوحي أننا في بلاد مسلمة سوى صوت الآذان"، احنا عايشين في زمن اجتمع فيه معاصي قوم نوح، لوط، فرعون، قارون، هامان، ولازال الله يرحمنا، فتحت الفون وبصيت في الساعة لقيتها الساعة (٢)، اتصلت على صحابي في مكالمة جماعية.
_قوموا يلا صلوا القيام.
_هي دي عادتنا، بنحث بعض على طاعة ربنا علشان ننال رضاه، كل واحدة منا احنا الخمسة ليها يوم، تعمل مكالمة جماعية علشان نقوم للصلاة القيام.
_حطيت الفون مكانه بعد ما فصلت المكالمة، قُمت اتوضيت وفرشت المصلية، وبدأت في الصلاة، وهللت بالله أكبر، استغثت بالملك الأعلى، بالواحد الأحد، بالوجه الدائم، بالغفور، الرحيم، الجبار.
_نهيت الصلاة بخمس ركعات وتر، وقُلت الأذكار وقرأت ورد من القرآن، كان الفجر أذن صليته، بعدين ظبطت منبه الفون على الساعة (٧) علشان الجامعة، ريحت جسمي على السرير وحاولت أصفي ذهني من اللي حصل مع نيرة ونمت.
_صحيت من النوم على صوت المنبه، قُمت اتوضيت وصليت الصبح، بعدين طلعت دريس لونه أصفر هادي، عليه حزام من عند الوسط من نفس اللون، لبست عليه خمار أبيض وهيلز أبيض، وخدت الشنطة اللي كان لونها أفويت، كتب ومستلزمات الكلية على إيدي، وطلعت فطرت مع بابا وماما وأخويا.
_نزلت بعد ما ودعت أهلي توديع مؤقت، اتجهت للموقف عشان أركب، وطبعًا مسلمتش من نظرات الشباب حتى وأنا لبسي فضفاض والخمار طويل، وييجوا ساعة ما تحصل المصايب يرموا اللوم على البنت، وبتبقى تبريرتهم في الجرا.يم اللي ضد الستات.
_إيه نزلها من بيتها؟ لبسها مش كويس، محدش عارف هي عملت إيه؟ ما يمكن هي اللي مش محترمة، و.. و...
.. احنا بقينا في مجتمع بقى كل همه إشباع غرائزه وشهواته، يؤسفني أقول عليه إنه مجتمع فاضل وبلد فاضلة، للحق احنا بقينا عايشين وسط غابة، المرأة بقت مظلو.مة في المجتمع دا، أنت حتى لو الست عريانة قدامك وأنت متربي وابن ناس وعارف دينك كويس عمرك ما هترفع عينك فيها وهتخاف على حُرمة بيتك؛ لإن كما تدين تدان، الست في المجتمع دا اتهانت واتظلمت كتير، أه احنا النساء اللي الرسول ﷺ أوصى بيهم، بس ملقيناش لسه حد يعمل بكلامه، كاذبون يا رسول الله لم يستوصوا بنا خيرًا وذبحوا الرقاب وكسروا القوارير والأفئدة، كام من بنت دلوقتي بقت خايفة تنزل من بيتها بسبب اللي بيحصل واللي هي شايفاه بيحصل في بنات زيها!
بقت اللي تتخطف واللي تتقتل؛، وفي الآخر العتاب واللوم والكلام السيء بتاع الناس الجهلة بيبقى كله موجه للبنت، هاتلي جريمة واحدة حصلت سواء من قتل أو خطف ورموا اللوم على الولد، عمري ما شوفت ولد عمل جريمة من دول واتلم عليها، بيرموا اللوم على المجني عليها، والدليل حادثة امبارح بتاعت نيرة اللي اتقتلت بكل دم بارد قدام جامعتها، محترموش حُرمة الميت وعلقوا على لبسها وشعرها، وفي ثانية برءوا الشاب اللي قتلها وقالوا عليها إنها هي اللي مش كويسة، قد إيه احنا عايشين في مجتمع مريض، مجتمع عقيم الفكر، مجتمع بيفضل الولد عن البنت مع إن البنت اتساوت بالولد في الخلق والطباع، وعن الرسول ﷺ: {إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ}.
يود الواحد منا لو يغمض عينيه في الدنيا ويفتحهما في الجنة، صدقًا والله االإنسان تعب في الدنيا.
_وصلت الموقَف وركبت تاكسي نزلني قدام البوابة بتاعت الجامعة، لقيت صُحبتي الصالحة واقفين مستنيين حضرتي، روحتلهم وطبعًا مسلمتش من شتايمهم ليا على تأخيري، صحابي دول بيحترموني جدًا يا جماعة، دخلنا الجامعة واتجهنا لمكان السكشن وقعدنا في مكانا المعتاد، واللي هو في البنج الأخير، احنا أصلًا ملناش في تعليم، بننزل الجامعة كتقضية واجب.
_خلصنا المحاضرات وخرجنا من الجامعة علشان نروح.
_يا صاحباتي، أنا خايفة أوي، الامتحانات لسالها شهر وتبدأ.
_عادي يعني يا خلود، كل ترم بنقول كدا وبتعدي بفضل ربنا.
_بس يا بسملة أنتِ بالذات ما تتكلميش، دا أنتِ من يهود الدفعة.
_بس يا كلاونة منك ليها، أمسكوا جبت ورق كانسون وكتبت فيه آيات قرآنية وعبارات دينية ولزقت فيه توفي وعملت خمس شنط لينا احنا الخامسة، كل واحدة تاخد شنطة وتدي أي حد في طريقها على روح نيرة ومصطفى الله يرحمهم ويحسن إليهم.
_أخدنا منها الشنط وحضناها كلنا، الصراحة عائشة دي بحسها مامتنا مش صاحبتنا، أطيب قلب، بتعرف تحتوينا وتِطبطب علينا وكإننا أطفالها.
_مشينا وكل واحدة معاها شنطة بلاستيك في إيديها وبنوزع على الناس في الطريق، قد إيه بسمتهم جميلة وأنت بتدلهم حاجة بسيطة زي دي! آآه لو الناس الطيبة واللي فيهم الخير دول أمثالهم تكتر وتغطي على الناس أم نفوس مريضة والكل بقى يساعد بعضه بدون مصلحة أو مقابل، واللي غلط بتحاكم؟!
ساعتها حقيقي هنعيش في بلد فاضلة زي ما عمو أفلاطون وعمو الفارابي كانوا عايزين، هنعيش في بلد أهلها وناسها ساوية نفسيًا.
_روحت البيت بعد العصر غيرت لبسي واتوضيت وصليت وقولت آية الكرسي بعد ما خلصت صلاة لِمَ لها من فضل عظيم؛ فهي تعتبر أفضل آية في القرآن الكريم، فقد قال أبي أُمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المفروضة أن الرسول ﷺ قال: {مَنْ قرأَ آية الكُرسِيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لمْ يمنعْهُ من دُخُولِ الجنةَ إلَّا أنْ يمُوتَ}.
_قُمت علشان أنام ساعتين وأصحى أذاكر بعد ما اتكلمت شوية مع البنات في جروبنا، ألا وهو رفيقات الجنة (بسملة، عائشة، خلود، شروق، جيهاد)، ميقدروش يعيشوا من غير بعض، حقيقي هما اللي محليين حياتي البائسة دي، دايمًا بنتسابق وبنحث بعض على طاعة وإرضاء ربنا، ربنا يجمعنا مع بعض في جنة الآخرة زي ما جمعنا في الدُنيا.
_صحيت من النوم على المغرب وهي ماما بتصحيني.
_جهاد، جهاد، قومي يا حبيبتي يلا علشان تاكليلك لقمة وصلي وذاكري.
_حاضر يا ماما.
_قُمت واتوضيت وصليت وبعدين طلعت أكلت مع أهلي ودخلت ذاكرت، دا طبعًا بجانب رغي مع البنات، خلصت مذاكرة كانت الساعة (١٢) وكانوا بابا وماما وأخويا ناموا، دخلت المطبخ جهزت كوباية الشاي بالنعناع بتاعتي وطلعت قعدت في البلكونة وجبت رواية وقعدت أقرأ فيها، خلصتها ولقيت عائشة بترن، ما هي دورها النهاردة إنها تصحينا علشان القيام وصلاة الفجر متفوتناش، رديت عليها وكانوا (شروق، خلود، بسملة) ردوا هما كمان، اتوضيت وصليت وقرأت الورد والأذكار وقعدت أسبح كعادتي لعند ما الفجر يأذن، الفجر أذن صليته ونمت علشان كان النوم غلبني.
_نزلت الجامعة وكعادتي متأخرة وتهزيق بقى وأنتوا عارفين.
_خدنا البريك وروحنا قعدنا في الكافتريا بتاعت الكلية، قعدنا على ترابيزة بعيدة شوية عن الباقي وشروق راحت تطلبلنا حاجة.
_ما تيجوا نلعب أي حاجة بدل ما احنا قاعدين وحاطين إيدينا على خدنا زي المطلقين كدا؟!
_يا شيخة اتلهي، بدل ما تقولي نذاكر للامتحانات اللي فضلها أقل من شهر دي.
_ضحكنا عليهم أنا وبسملة وعائشة، خلود وشروق دول ناقر ونقير، بصتلهم بعد ما وقفت ضحك وقُلت:
_أنا عندي فكرة كويسة.
_ردوا كلهم في صوت واحد: إيـــــه؟
_إيه رأيكم ناخد المصحف دا كدا، قُلت كلامي وأنا بطلع المصحف وبحط قدامهم على الترابيزة.
_وواحدة تاخده والسورة اللي تفتح عليها المصحف تقول آية منها وواحدة تجاوب عليها الآية دي من سورة إيه.
_تمام يلا.
_خدت بسملة المصحف وفتحته وقالت: أنتِ يا جهاد.
_قولي.
_{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوٓاْ أنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ}.
_المؤمنون الآية ١١١.
_ابتسمتلي وقالت: صح.
_بصت لخلود واتكلمت بمكر بان في عنيها: ودلوقتي هنسأل خلود.
_رجعت خلود ضهرها على الكرسي واتكلمت بغرور: اسألي.
_{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْسَاهُمْ أنْفُسَهُمْ أولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون.َ{١٩} لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآئِزُونَ.{٢٠}.
_سورة الحشر.
قالتها خلود بغرور مضحك خلتنا ضحكنا علينا كلنا.
والدور لف علينا هكذا كل واحدة تتسأل مرة، لحد ما لقينا بنت قمر ما شاء الله عليها جاية علينا وهي مترددة تكمل خطواتها لينا ولا تلف وترجع تاني، لحد ما خدت قررها إنها تكمل لعندنا.
_السلام عليكم.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
_ممكن أقعد معاكم!
_اتفضلي يا حبيبتي.
_اتكلمت وهي متوترة واحنا مستنينها تتكلم.
_ممكن أبقى صاحبتكم! بصراحة أنا بقالي فترة مراقباكم وشايفة كل تصرفاتكم وحبكم لبعض وحبيتكم جدًا وحبيت خوفكم على بعض وحبيت حبكم لبعض، ممكن تقبلوني معاكم في الصُحبة الكريمة دي! وآسفة لو تداخلت بينكم، عادي لو مش موافقين أنا مش هزعل والله.
_دا كله بتتكلم واحنا قاعدين نستمع لها، هي باين عليها بنت كويسة وملامحها جميلة، اتكلمت وأنا بمسك إيديها وبطبطب عليها.
_صُحبتنا الكريمة والله هتنور بيكِ.
وابتديت أعرفها علينا.
_أنا جهاد ودي عائشة، خلود، بسملة، شروق.
_لقيتها فرحت وقالت: بجد! يعني أنا دلوقتي بقيت صاحبتكم وهتحثوني إني أقرب من ربنا أكتر؟!
_ضحكت أنا والبنت على تلقائيتها في الكلام وحضناها كلنا وهي فرحت جدًا بكدا.
_هو ممكن أطلب منكم طلب تاني!
اتفضلي يا حبيبتي اطلبي اللي أنتِ عايزاه.
_بصراحة كدا أنا بسمع أغاني وحاولت أبعد عنها، بس كنت برجعلها بردو في الآخر، تنصحوني بإيه علشان معنتش أسمعها تاني؟
_حاولي تمنعي نفسك عنها أسبوع، ولو لقيتِ نفسك عايزة تسمعي أغنية تروحي على طول مشغلة على فونك سورة من القرآن أنتِ بتحبيها واسمعيها بصوت شيخ أنتِ بتحبي تسمعيله.
_أنا بحب سورة الحجر أوي وبحب أسمعه بصوت هزاع البلوشي.
_وأنا كمان بحبها أوي وبصوت هزاع البلوشي بردو، اسمعيه واسمعي سور تانية بتحبيها، وشوية شوية هتنسي الأغاني دي خالص وأنا والبنات هنبقى معاكِ وهنشجعك.
_الله! بجد يا جهاد فكرتك حلوة أوي.
_وقت البريك انتهى ودخلنا المحاضرة التانية بعد ما ضفت ليلى في جروب رفيقات الجنة.
_خلصنا يومنا في الجامعة وودعنا بعض توديع مؤقت زي كل يوم، اللي اختلف في اليوم تعرفنا على ليلى وقد إيه هي بنت قمر وهادية جدًا.
_فضلنا نتكلم في الجروب أنا والبنات، وليلى تفاعلت مع كلامنا ومحسسنهاش إنها لسه غريبة عنا، وفضلنا نشجع فيها علشان تمنع الأغاني، شروق اللي كانت بتفضل تقول أناشيد ديني بصوتها اللي ما شاء الله عليه.
_ومرت الأيام علينا هكذا، بنروح الجامعة ونرجع نذاكر.
_بدأت الامتحانات والحمد لله كنا بنطلع من كل مادة حلين كويس، وظهرت النتيجة ورسميًا احنا كدا خلصنا امتحانات وأخيرًا وخلصنا تعليم، لا عاد في جامعة ولا يحزنون، كنا مبسوطين جدًا وفي نفس الوقت زعلانين علشان معدناش هنشوف بعض زي الأول.
_بجد يا بنات أنا زعلانة جدًا علشان معدناش هنشوف بعض زي الأول، بس فرحانة أكتر إن معتش فيه تعليم ومذاكرة تاني.
_الدُنيا مبتبطلش تدي دروس وتعلم يا ماما.
_كل واحدة روحت بيتها بعد ما وعدنا بعض بخروجة نقضي فيها اليوم مع بعض.
_عدت الأيام وكل واحدة بقى ليها شغلها الخاص، بس عمرنا ما نسينا بعض، وكنا دايمًا بنخرج مع بعض.
_بنات، إيه رأيكم نتشارك ونفتح محل للزي الشرعي؟!
_الله بجد يا جهاد، فكرتك حلوة أوي.
_مديت إيدي لهم وقُلت: ها، موافقين؟
_حطوا كلهم إيديهم فوق إيدي وقالوا: كلنا معاكِ.
_كل واحدة جابت مبلغ من معاها وحطناهم على بعض واشترينا المحل، وابتدى المحل يكبر ويكبر لحد ما بقى فروع في كل المحافظات.
_الحمد لله يارب، بجد أنا مش مصدقة كل اللي احنا وصلناله دا، كله بفضل ربنا ورحمته.
_دلوقتي بقى كل اللي الواحد بيتمناه إنه يغمض عينيه في الدنيا ويفتحهم في الجنة.
وفي النهاية أتمنى لكل واحد إنه يلاقي صُحبته الصالحة في الدُنيا؛ علشان ربنا يجمعهم رفيقات في الجنة في الآخرة.
#تمت
#ريهام_ناجي