#الحلقـــة_الثــانيـــة_عشــــر
#ريهـــام_ناجـــــي
نامَ الجميعُ وكيف النومُ يطرقني
والنارُ في قلبي المشتاق تضطرمُ
ناموا هنيئًا لكم إذ ليس يشغلكم
من الهوى أَملٌ مثلي ولا ألمُ
_مي بفرحة وهي تردف: مااازن.
_مازن وهو يتجه إليهما ويقبل جبين مي ومن ثم والدتها، وهو يسألهما عن حالهما.
_مازن: عاملة إيه يا أمي؟
لينظر إلى مي وهو يغمز لها بمشاكسة: وأنت يا جميل عامل إيه؟
_سحر بجدية مصطنعة: ولد، احترم نفسك، أنت مش عاملي حساب؟!
_مازن وهو يميل على كف يديها يقبله: ربنا يخليكِ لينا يا ست الكل.
_سحر بضحكة وحنية وهي تمسد على شعره: بتثبتني بالكلمتين بتوع كل مرة يا بكاش.
_قهقهوا جميعًا، قاطعهم مازن مردفًا باستفهام:
_مين دي اللي في مصر؟
_سحر: اه يا حبيبي، دي ش...
_قاطعتها مي بسرعة هاتفة:
_دي واحدة صاحبتي وكانت مسافرة ورجعت.
_مازن باستفهام: واحدة! واحدة مين؟
_مي وهي تنظر إلى والدتها بارتباك: واحدة يا مازن متعرفهاش.
_مازن بلامبالاة وتعجب لارتباك مي: تمام، أنتوا عاملين إبه؟
_سحر وهي تنظر إلى ابنتها بغموض: الحمد لله يا حبيبي كويسين، أنت أخبارك إيه؟
_مازن: بخير طول ما أنتوا بخير.
_سحر: جيت في وقتك، عاملة صينية مكرونة بالبشاميل تستاهل بؤك.
_مازن: والله من ساعة ما عرفتك وأنا بقول عليكِ حبيبتي.
_مي بغيرة: والنبي يا سي مازن! وأنا إيه؟
_مازن وهو ينظر إليها نظرات عشق: أنتِ اللي ساكنة قلبي وواخدة روحي.
ليرسل إليها قبلة في الهواء.
ـ لتنزل مي رأسها بخجل ووجنتيها التي طغى عليها الاحمرار.
ـ سحر وهي تنظر لهما بدهشة وتردف:
ـ والنبي! ما أجبلكم كوبيتين لمون وتقعدوا تحت الشجرة أحسن؟
ـ مازن بضحكة: ياريت يا سوسو.
ـ سحر وهي ترفع قدمها وتلتقط منها نعلها:
ـ ياريت يا واطيي يا سافل، بتثبت البت وأنا قاعدة.
ـ مازن وهو يحتمي بالوسادة ويضحك: استهدي بالله يا سوسو، دي مراتي.
ـ سحر وهي تضع يديها على خصرها وتختصر: بس لسه في بيتي يا ابن آمال.
ـ مازن وهو يضع الوسادة من يده: ومالها آمال يا ست سوسو؟
ـ سحر: ملهاش يا حبيبي، دي حبيبتي.
ـ مازن بضحك وهو يرمق مي التي تكاد ينقطع نفسها من الضحك عليهما:
ـ مازن: طب إيه؟ مش هناكل المكرونة ولا إيه؟
ـ سحر: حاضر، هروح أحول الأكل على السفرة.
لتنظر إلى مي التي تنظر هي ومازن لبعضهما نظرات عاشقة:
ـ يلا يا أبلة مي، ولا هتقضوها نظرات العشق الممنوع لبعض؟
ـ مي بتذمر وهي تبرُم شفتيها للأسفل كالأطفال: حاضر جاية.
ـ ليضحك مازن بصخب عليها وهي تدبدب بالأرض.
ـ دلفت هي ووالدتها للمطبخ لإحضار الطعام على الطاولة؛ لتردف والدتها قائلة:
ـ لينا كلام مع بعض بعد ما مازن يمشي.
ـ مي وقد عرفت لِمَ تريد والدتها التحدث معها وبشأن ماذا؛ لتهز برأسها مردفة:
ـ حاضر.
ـ وضعوا الطعام على الطاولة، والتفوا حولها، شرعوا في تناول الطعام وهم يتحدثون مع مشاكسة مازن لمي وتذمر سحر والدتها، انتهوا ومن ثم جلسوا بالصالون يتحدثون، وبعد قليل من الوقت استأذن مازن وذهب معللًا أنه يوجد لديه عمل.
ـ سحر وهي تلتفت لمي وتردف:
ـ ليه مقولتيش لمازن إن اللي نزلت مصر تبقى شامة؟
ـ مي وهي تزفر نفسها وتردف:
ـ مازن صاحب حمزة يا ماما، ولو قولتله أكيد هيقول لحمزة إن شامة في مصر، وشامة حلفتني إني مقُلش لحد إنها هنا.
ـ سحر باستفهام وتعجب: ليه؟!
ـ مي: عشان معاها بنتها، وخايفة لحمزة يعرف، ووقتها ممكن ياخد بنتها منها، وهي مش هتقدر تعيش من غيرها.
ـ سحر: بس شامة كدا أنانية، إزاى تبعد بنت عن أبوها؟ أكيد البنت محتاجة أب زي باقي صحابها، محتاجة أب يحتويها في حضنه ويخاف عليها.
ـ مي بتبرير: بس شامة يا ماما قايمة بدور أب وأم ليها، ومش مخلياها محتاجة حاجة.
ـ سحر: بس برضو عمرها ما هتعوضها عن طيبة الأب وحضنه.
ـ مي: مش ممكن يا ماما، لو حمزة عرف إن مراته وبنته هنا في مصر يروحلها ويقرر ياخد البنت منها بالعافية، ووقتها هيتبهدلوا في المحاكم، وأكتر حد هيتأذي نفسيًا بنتهم.
ـ سحر بهدوء: وإيه يوصلهم لكل دا؟ مش ممكن يتفاهموا مع بعض بالراحة ويقرروا لو عايزين يكملوا مع بعض ولا لا؟ وعلى ما أظن أنتِ عارفة حالة حمزة عاملة إزاي؟ وعايز يلاقيها ويرجعلها بأي طريقة، ومتنسيش كمان زمان مش هو اللي كان بايع، وبنت خالتك اللي سابته وسابت كل حاجة وراها وسافرت وحرمته من بنته وهي لسه في بطنها.
ـ مي وهي تنهي الحوار: هي حرة يا ماما، دي حياتها هي واحنا مش هنتدخل فيها، وأكيد هي عارفة بتعمل إيه، وهي قالتلي مقُلش لحد يعرفها، هو شهر هتقعده وهتمشي.
ـ سحر بشرود: بنت خالتك مش عارفة هي بتعمل إيه؟ وبتبوظ حياتها بإيديها.
ـ حل الليل في مصر، وكانت شامة ما تزال نائمة هي وكيان؛ حتى تمللت في الفراش، لتلتقط الهاتف من جوارها وهي تنظر بالساعة؛ لتنهض بفزع وهي تردف:
ـ الساعة ستة، نمت دا كله! وماما، يووه نسيت أتصل عليها وأطمنها.
ـ دقت شامة على رقم والدتها على الهاتف، ووضعته على أذنيها تنتظر رد والدتها.
ـ وعلى الناحية الأخرى في كندا كانت الساعة الحادية عشر صباحًا، كانت تجلس سناء على الأريكة، تقرأ في كتاب الله "المصحف الشريف"، بعد ذهاب مريم إلى الجامعة؛ ليقاطعها رنين هاتفها، لتلتقطه بلهفة من جانبها لترى اسم شامة ينير شاشته، لتفتح وترد عليها بفرحة ودموع تترقرق بمقلتيها:
ـ شامة، حبيبتي، عاملة إيه يا نور عيني؟ وليه متصلتيش طمنتيني عليكِ أول ما وصلتِ؟ كدا يا شامة تخوفيني عليكم؟
ـ شامة بابتسامة بسيطة: أنا آسفة يا ست الكل إني خوفتك علينا، بس والله أول ما وصلت نمت ومحستش بحاجة ولسه صاحية واتصلت عليكِ.
ـ سناء: المهم، أنتوا عاملين إيه يا حبيبتي؟ وكيان فين؟ هاتيها أكلمها.
ـ شامة: احنا الحمد لله يا حبيبتي كويسين، وكيان لسه نايمة.
ـ وعلى ذكر كيان، تمللت في الفراش وهي تفتح عينيها على مهل؛ لكي تعتاد على إضاءة الغرفة وهي تسأل والدتها باستفهام:
ـ كيان: بتكلمي مين يا مامي؟
ـ شامة بضحكة لم تصل لعينيها: أهي ست كيان صحيت.
ـ لتضحك سناء عليها وهي تردف: هاتِ أكلمها.
ـ لتعطِ شامة الهاتف للكيان التي نهضت وجلست بجوار والدتها على الفراش.
ـ شامة: خدي كلمي تيتة.
ـ كيان وهي تلتقط منها الهاتف بفرحة: سونة، وحشتيني وحشتيني وحشتيني أوي.
ـ سناء بضحك: يا بكاشة، كل دا وحشتيني؟
ـ كيان بطفولية: أيوة، عشان أنتِ وحشتيني كتير أوي يا سونة.
ـ سناء بحنان: وأنتِ كمان يا قلب سونة وحشتيني أوي، عاملة إيه؟
ـ كيان: الحمد لله، أنتِ عاملة إيه؟ وريري؟ هي فين؟ هاتِ أكلمها.
ـ سناء: الحمد لله يا حبيبتي احنا كويسين، وريري مش هنا، راحت الجامعة.
ـ كيان بزعل: ماشي، لمّا تيجي سلميلي عليها وبوسهالى من الخد اليمين والخد الشمال.
ـ سناء بابتسامة: حاضر يا عيوني.
ـ لتأخذ شامة الهاتف منها وهي تضعه على أذنيها وتردف:
ـ يلا يا ماما عايزة حاجة؟
ـ سناء: سلامتك يا حبيبتي، وخدي بالك من نفسك أنتِ وكيان.
ـ شامة: حاضر يا حبيبتي، سلميلي على مريم.
ـ أغلقت شامة الهاتف، وأمسكت بيد كيان وهي تنهض:
ـ يلا يا كوكو، تعالي نغسل ونلبس وبعدين نطلب أكل.
ـ كيان: ماشي، ويلا بسرعة علشان أنا جعانة أوي.
ـ شامة بابتسامة: حاضر.
ـ دلفت إلى المرحاض ومعها كيان، حممتها وألبستها ثيابها ومشطت لها شعرها، ودلفت هي الأخرى؛ لترتدى ثيابها، انتهت بعد قليل وأمسكت بيد كيان وهي تسحبها معها للباب، فتحت الباب ورأت يد ناديم معلقة بالهواء وكأنه كان سيطرق عليهم، فضحكت وضحك معها ناديم؛ ليردف وهو ينحني ويحمل كيان:
ـ كنت لسه هخبط عليكم، إيه، دا كله نوم؟
ـ شامة بابتسامة: كنا تعبانين من السفر.
ـ لتقاطعهما كيان بتذمر وهي تبرُم شفتيها وتردف:
ـ يلا، مش وقت كلام أنا جعانة.
ـ ناديم بضحك: اه يا لمضة أنتِ لمّا بتكوني جعانة.
ـ كيان: مفيش أهم من الأكل.
ـ شامة: اه، اللي يسمعك وأنتِ بتقولي كدا يقول عليكِ مفجوعة.
ـ اتجهوا إلى الأسفل حيثُ المطعم الخاص بالفندق، وطلب ناديم لهم الطعام، وجلسوا يتحدثوا لحين مجيء الطعام.
ـ عاد حمزة للمنزل بعد يوم متعب بالعمل، وشغل على القضية الجديدة، وجمع معلومات عن تلك العصابة، لج من سيارته بعدما صفها، ودلف للداخل وكاد يصعد للأعلى، ولكن قاطع سيره صوت حبيبة وهي تنده عليه:
ـ حبيبة: حمزة.
ـ حمزة ببرود كعادته: نعم.
ـ حبيبة باستفهام: مش هتاكل؟
ـ حمزة بنفى: لا، مش جعان.
ـ لتأتي والدته وتردف: مش جعان إزاي؟ أنت مأكلتش حاجة من الصبح.
ـ حمزة بهدوء: أكلت في الشغل.
ـ حكمت: كداب، مازن قالي إنك مأكلتش حاجة خالص.
ـ حمزة وهو يسب مازن بداخله: احم، أنا مش جعان، عن إذنك.
ـ ليتركها ويصعد للأعلى، لج إلى غرفته ودلف للمرحاض بعدما أخرج ملابس بيتية مريحة، لج من المرحاض بعد قليل، اتجه إلى طاولة موجودة بالغرفة، والتقط من عليها سجادة الصلاة "مُصلية"، وفرشها على الأرض ووقف يصلي، بدأ بالتكبير والدموع تترقرق في عينيهِ، سجد وهو يبكي بنهر ووجع بقلبه من بعدها عنه واشتياقه إليها؛ ليردف بصوت مبحوح من البكاء ودموع تكاد تذوب الحجر:
ـ يارب، يارب رجعهالي يارب، وحشتني أوي، معنتش قادر من الاشتياق، يارب خليني أشوفها لو لمرة واحدة، نفسي أشوفها وآخدها في حضني ومخليهاش تبعد عني تاني ولا تفارق، يارب متكتبش لينا الفراق الدائم ورجعها لحضني يارب.
ـ وأخذ يدعي ربه وهو يبكي، انتهى من صلاته ودعائه، قام وهو يزيل دموعه التي تسيل على وجنتيه، وألقى بجسده على الفراش وهو يتنهد ويردف بصوتٍ هامس:
ـ شامـــة.
ـ كانت شامة تجلس وتتحدث هى وناديم بأمور الشغل وما عليهم فعله غدًا، وكانت كيان تجلس بجوارهما بتذمر وملل؛ حتى رأت رجلًا يبيع بلونات بالخارج، فتحت حقيبة شامة وأخذت منها عدة وريقات، وتسحبت من جوار شامة ببطئ ولجت إلى الخارج ذاهبة إليه تشتري منه بعض البلالين.
ـ نظرت شامة بجانبها ولم تجد كيان، جن جنونها وأخذت ترمق المكان بتفحص؛ لعلها تجدها هنا أو هناك، ولكن خاب ظنها لتردف بخوف:
ـ كيان! ناديم، كيان راحت فين؟
ـ ناديم وهو يحاول تهدأتها: إهدي يا شامة، تلاقيها راحت هنا ولا هنا.
ـ شامة بخوف والدموع تسيل على وجنتيها: هتروح فين؟ هي متعرفش حاجة هنا يا ناديم.
ـ وأخذوا يبحثون عنها بكل المطعم، ولكنهما لم يجدوها، وهنا تملك الخوف والهواجس من شامة من أن يكون رآها حمزة أو عرف بوجودها في مصر، لِمَ لا؟ فهو ظابط وربما رآها معها وعرف أنها ابنته واختطفها وحرمها منها، شامة بخوف وهي تضع يديها على أذنيها وتردف:
ـ لا لا، أكيد هي كويسة.
ـ ناديم وهو يشاور بيديه على مكان ما: شامة، بصي هناك.
ـ شامة وهي تنظر إلى ما ينظر إليه؛ لتردف بصراخ:
_لا لا، كيـــــــــــــان.
_يتبـــــع...