وها هو أتى الليل بعتمته المخيفة وهيبته المعتادة، لترسو هي بالقرب من ذاك البحر المخيف، صمت، شرودٌ وأفكارٌ قاسيةٌ تعصف بها، لتتعالى صيحاتها فجأة كأن البحر إنسانًا تعاتبه: أترى أيها البحر كم زادت شرورهم!
كم صار معشر بني آدم بأسره جاحدًا حاقدًا يكادُ يشتعل كالفتيلِ لإحراق إخوانه!
أترى كم باتت النفوس كالذئاب تعوي لتلتهم بعضهم من أجلِ البقاء!
أترى كم احتلهم جشعٌ وتملكهم حقدٌ وأفسدتهم غيرةٌ وغيرهم طمعٌ وملأهم كفرٌ!
كيف صار كل بشريٍّ يحركه خناسٌ لعينٌ ويتلاعب بنفسه!
كيف خَفُت بريق الحب من نفوسهم حتى دُفن مكامعًا الثرى؟
كيف مالت النفوس لشهواتها أشد ميلة حتى انزلقت قدماها بمستنقعها الأسود!
كيف بات الحيفُ مسيطرًا على وجدانهم، متملكًا من قلوبهم ليصبوا منهُ على كل من حولهم!
كيف يقتل ذلك العبد الإنسيُّ أفئدةً بغير حق!
كيف استطاع أن يدثر تلك الطبيعة التي عمرها أسلافه بالخراب ليتركها هشيمًا.
ألا ترى كم باتت الديارُ خاويةٌ من الحنان، مهجورة من الحب، مشرد أهلها!
ثم ليهدأ صوتها بعد أن تمزقت أحباله مع سكون أمواج البحر المتلاطمة لتهمس بضعفٍ وسط دموعها: اللهم قد آثم عبيدكَ أشد الإثم، وعصوكَ فيما منعتهم، ولقد بَليتهم بجنودٍ من عندك كطيرٍ الأبابيل تذيقهم الويلات ولم تفقه قلوبهم، أظنُّ أنَّ نفوسهم عن التوبةِ قد صامت.
لـ رهف محمد