يقودني إليك شوقٌ لاينتهي، ويرُدني عنك جرحٌ أنت صاحبهُ.
•••••••••
أقلعت الطائرة من مطار تورونتو بيرسون الدولي بكندا، محملة الركاب ومعهم مريم، سناء، هيثم عائدين لأرض الوطن بعد غياب، كان هيثم يقبع بجوار مقعد مريم وسناء جالسة على المقعد المجاور لهما من الجهة الأخرى، كانت سناء جالسة على مقعدها شاردة في شيئًا ما، شعور مقيت يراودها منذُ البارحة، هناك جزءًا من قلبها يصرخ هاتفًا هناك شيئًا سيئًا سيحدث، تنهدت بثقل داعية الله بداخلها بأن يمر كل شيء على ما يرام ولا يتأذى أحد من بناتها أو حفيدتها، حاولت إشغال عقلها بالتفكير في شيء آخر حتى تبعده بالتفكير في الأمر، كان هيثم يجلس هو ومريم يتحدثان سويًا، رمقت مريم والدتها الصامتة بتعجب هاتفة.
ـ هتفت مريم بتعجب من حالة والدتها العجيبة: ماما.. ماما.. كانت سناء شاردة ولم تنتبه لصوت مريم الذي يناديها كانت ناظرة لنقطة ما، فاقت من شرودها على هزات مريم لها، هتفت متسائلة بتعجب.
ـ في حاجة يا مريم؟
ـ قالت مريم متعجبة: أنتِ كويسة يا ماما.. مالك كدا مش عجباني، في حاجة؟
ـ تنهدت سناء واعتدلت في جلستها هاتفة: لا مفيش أنا كويسة.
ـ هتف هيثم الذي كان يراقب في صمت متسائلًا: حاسة بحاجة تعباكِ يا أمي؟
ـ ابتسمت سناء قائلة: لا يحبيبي أنا كويسة.. سبوني بس أرتاح شوية، أومأ هيثم برأسه ناظرًا إليها بتفحص، أرجعت سناء ظهرها للخلف ساندة على مسند مقعدها، أغمضت عينيها ذاهبة في سُباتِ عميق.
ـ همت مريم بالحديث ولكن قاطعها هيثم هززًا لها برأسه دللالة على تركها برَاحتِها، أنصتت مريم له وزفرت بضيق على حالة والدتها العجيبة، أسندت ظهرها على مسند مقعدها غامضة عينيها هاتفة بداخلها.
ـ أسترها يارب
••••••••
ـ أنا زهقت من الموضوع دا، إكتشفت إني عمري ما حبيت حمزة، ماما وخالتو هم اللي زرعوا الفكرة دي في راسي، لحد ما حبيت الموضوع دا، وسمعت كلامهم وحاولت أتقرب من حمزة، مش عشان بحبه كان مجرد تملك مني مش أكتر، أكملت بدموع مترقرقة بعينيها، أنا بحبك أنت يا سيف.
ـ هتف سيف يستشعر الصدق من حديثها: بجد يا سارة، يعني.. يعني مبتحبيش حمزة وبتحبيني انا؟
ـ أومأت سارة برأسها بإبتسامة تتخللها الدموع: أيوة يا سيف بحبك أنت والله، وأنت عارف كدا كويس، من صغرنا وأنا بحبك يا سيف.. بس أنت سيبتني وروحت عشان تتجوز مريم وسيبتها يوم فرحكم وروحت أتجوزت حبيبة، وسيبتني أنا أتعذب يا سيف، وكنت كل لما أشوفك مع حبيبة كنت بغلي وأتوجع من جوايا، ولما ماما وخالتو اتكلموا معايا في موضوع جوازي من حمزة، وافقت وعملت كدا عشان أحاول أنساك يا سيف، ومعرفتش..
ـ هتف سيف متألمًا من وجعها: أنا آسف يا سارة، أنا معرفش حبيتك أمتى وأزاي، بس اللي أعرفه إني حبيتك يا سارة وكنت بغير عليكِ لما كنت أشوفك قريبة من حمزة، أنا بحبك يا سارة، بحبك.
أردفت سارة بسعادة ودموع تسيل على وجنتيها: بجد يا سيف بتحبني؟
ـ أومأ سيف برأسه هاتفًا: بجد يا قلب سيف.
ـ أبتسمت سارة ملء شدقيها ولكن إختفت إبتسامتها تدريجيًا وكأنها تذكرت شيئًا هاتفة بغصة..
ـ طب وحبيبة يا سيف؟
ـ هتف سيف بثبات وتريث: هطلقها..
ـ تفاجأت سارة من حديثه قائلة: بس أنا مستحيل أخطفك منها يا سيف، دي مراتك، ولتكون ناسي إنكم أتجوزتوا بعض عن حب؟
ـ أردف سيف شاردًا بشيئًا ما: كانت غلطة يا سارة،مكنش حب كان طيش مني، أنا إتخدعت يا سارة.
ـ هتفت سارة متسائلة بتعجب من حديثه الغير مفهوم: إتخدعت! إتخدعت أزاي؟!
ـ انتبه سيف لحديثه هاتفًا: يلا نمشي دلوقتي، وهتفهمي كل حاجة بعدين.
ـ أرتسمت إبتسامة على محياها عندما أمسك سيف بيديها رامقًا إيها بإبتسامة هاتفًا.
ـ وهطلبك من خالتي ومش هتبقي غير ليا يا قلب وحياة سيف.
ـ ابتسمت ملء شدقيها وسعادة إجتاحت قلبها قبل وجهها من حديثه المعسول هاتفة.
ـ أنا بحبك أوي يا سيف..
ـ اتجه سيف إلى السيارة ممسكًا بيديها هاتفًا: وسيف بيعشقكك..
ـ صعدا بالسيارة واقتادها، أوصل سيف سارة إلى منزلها وأطمئن عليها وغادر هو الآخر إلى منزله.
ـ ولجت سارة داخل منزلها متجهة لغرفتها، قاطع سيرها صوت والدتها الغاضب..
ـ سارة، مين اللي موصلك دا؟
ـ إلتفتّ لها سارة هاتفة: دا سيف ابن خالتو..
ـ هتفت والدتها متسألة: وشافك فين سيف، وأنتِ كنتِ فين لدلوقتِ؟
ـ أجابتها سارة ببرود: مع سيف..
ـ تعجبت والدتها واردفت: مع سيف! بتعملِ أيه مع سيف؟
ـ أكملت سارة سيرها لغرفتها هاتفة: كان بيقولِ أنه هيجي يتقدملي.
ـ هتفت والدتها بصدمة: يتقدملك!! مين دا اللي يتقدملك؟ سيف، سيف ابن خالتك حكمت؟ هو مش متجوز!
ـ أجابتها سارة: أيوة، هيطلقها ويجي يتقدملي.
ـ اتجهت لها منى بغضب ممسكة إيها من مرفقها: أنتِ أتجننتِ يا بت، أنتِ سيف مين اللي يتقدملك، وحمزة دا أيه.
ـ أفلتت سارة ذراعها بغضب هاتفة: حمزة.. حمزة.. أنا زهقت من أم السيرة دي، حمزة ومبيحبنيش ومبيطقليش كلمة أصلًا، أروح أرمي نفسي عليه و أتجوزه بالعافية، أكملت حديثها بهدوء، أنا يا ماما بحب سيف وهو كمان بيحبني وهيجي يتقدملي وانا هوافق ومش هتجوز غيره.
ـ قهقهت والدتها عليها بسخرية وسخط هاتفة: سيف.. مش سيف دا اللي مكنش معبرك زمان وراح اتجوز غيرك، كان فين حبه من زمان يأختِ لما هو بيحبك وعايز يتقدملك؟
ـ قالت سارة بهدوء: وأحنا مش في زمان، أحنا في دلوقتِ وهو قدر حبي ليه وطلع بيحبني هو كمان، وياريت يا ماما تشيلي موضوع جوازي من حمزة من دماغك نهائي؛ لأني مش هتجوز غير سيف، عن إذنك عشان تعبانة وعايزة أرتاح.
ـ هتفت والدتها بغضب: ماشي يا سارة شوفي هتجوزيه أزاي من غير موافقتِ ويا أنا يا أنتِ، أنتِ أصلًا مش عارفة مصلحتك فين.. ومش هسمحلك تبوظي وتدمري كل حاجة بالسهولة دي، تك البلا فقرية زي أبوكِ..
••••••••••
ـ كان سامح جالسًا بمقعد مكتبه شاردًا فيما حدث ودار من حديث بينه وبين شامة، يجول بخاطره هل ما قاله لشامة وطلبهُ منها بالرحيل صحيح، ماذا إذا عرف حمزة هل سيسامحه، سيكون هو من فرق بينهما وأبعدهما عن بعضهما مجددًا، بالطبع ستسوء حالة حمزة أكثر من ذي قبل لذا سيفعل ما بوسعيه لعدم معرفة حمزة بعودة شامة ورحيلها مرة أخرى.
ـ بينما على الجهة الأخرى في الفندق التي تقبع به شامة، كانت جالسة على الأرض ساندة بظهرها على فراشها والدموع تسيل من عينيها المنفخة على وجنتيها كالسَريّ، تتذكر حديث والد حمزة الجارح لها فهو انتقص وقلل من حبها لحمزة، حمزة الذي لم يغيب عن بالها برهة فدائمًا ما كانت تفكر به، دائمًا ما كان يسكن قلبها، فهو منذُ اللحظة الأولى سكن فؤادها وكيانها كله، يجب عليها الرحيل والإبتعاد مرة أخرى، هكذا أفضل له ولها، ولكن كيان هذا سيؤذيها إلا متى ستبقى دون أب يحتويها كباقي الأبناء، لم تسأل عليه الآن، فالبطبع عندما ترشد ستسأل عليه وتعلم كل شيء حدث، وليس بعيد في أن تلومني بأني من أبعدتها عن والدها، ياللــــــــه ماذا أفعل، فأنني في حيرة دلني على الطريق الصحيح يالله وما يجب عليا فعله، وإن كان لنا نصيبًا وإكمال الطريق لآخره معًا فأجمعني به مرة أخرى يااللـــه، هكذا حدثت شامة نفسها وهى تتذكر ما حدث قبل رحيلها وإبتعادها عن حمزة.
F. B
••
ـ شامة عشان خاطر حبنا متمشيش، شامة والله مش هقدر أعيش من غيرك، طب عشان خاطر أبننا متمشيش.
ـ هتفت شامة بجمود وتريث والدموع متحجرة بمقلتيها: هتعيش يا حمزة هتعيش مفيش حد بيموت بغياب حد، هى فترة وهتتعود على بعدي عنك مع الأيام وهتنسى.
ـ هتف والدموع تسيل بغزارة على وجنتيها: مش هقدر يا شامة، مش هقدر، أنتِ حياتي وحالي كله يا شامة، خليكِ معايا واحنا والله هنحل كل حاجة وهنتخطى كل صعب مع بعض، وكل حاجة هترجع زي الأول وأحسن، بُعدك وهروبك دا مش هيحل حاجة.
ـ رمقته شامة بإلم على حالته وهتفت: مفيش حاجة هترجع زي ما كانت يا حمزة، اللي بينكسر مستحيل يتصلح، وأنا خلاص قررت ومستحيل أرجع في قراري، أنا همشي يا حمزة.
ـ بعشقك يا شامة، وخليكِ فاكراني، وفاكرة إني مستحيل أنساكِ، وحمزة هيموت في غياب شامة.
B
••
ـ كانت هذه آخر كلمات أُلقت على مسامعها منه، أخذت تنتحب واضعة كفها على فاهها تكتم شهقاتها.
•••••
ـ في غرفة ناديم كان جالسًا ومعه كيان بعد ذهاب ضحى، كان يلهو معها بجسده ولكن عقله كان مع شامة يفكر في حزنها، يجب عليه الوقوف بجانبها فهى دائمًا ما كانت له نعِمَ الأخت، انتهى حزنه منها عندما علم ما دفعها للصراخ عليه فهى معذورة لما مرت به، فاق من شروده على صوت كيان.
ـ قالت كيان متسألة: ناديم، هى شامة مالها؟
ـ انتبه لها ناديم وأردف: ها.. شامة، هى كويسة يحبيبتي.
ـ هتفت كيان بتذمر: طب ليه لما جات قفلت على نفسها الأوضة ومش كلمتني، هى زعلانة مني؟
ـ مسد ناديم على شعرها هاتفًا: لا ياقلبي، هى بس تعبانة شوية، وكانت عايزة ترتاح.
ـ نظرت له كيان نظرات طفولية هاتفة: طب أنا عايزة أشوفها..
ـ نفى ناديم برأسه وقال: كوكو شاطرة وهتسيب ماما ترتاح شوية، عشان هى تعبانة صح؟ وهنقعد نلعب أنا وهى عقبال ما ماما تبقى كويسة.
ـ أومأت كيان برأسها وهتفت: ثح.. يلا بقى نلعب..
ـ حملها ناديم على ذراعيه وفرك بشعرها مردفًا بمرح: يلا
ـ جلسا يلعبان معًا، حتى أردفت كيان متسألة..
ـ ناديم هو احنا هنسافر عند تيتة ومريم بكرا؟
ـ أجابها ناديم نافيًا برأسه: لا
ـ تعجبت كيان قاطبة ما بين حاجبيها هاتفة..
ـ بس أنا سمعت ماما وهى بتقولك تحجز الطيارة عشان نسافر بكرا..
ـ تذكر ناديم عندما أخبرته شامة بحجز أول طائرة مغادرة إلى كندا، نفذ طلبها وأجرى إتصال لحجز الطائرة ولكنهم أخبروه بأن أول طائرة ستغادر بعد غد ولم يتمكن من الحجز، لذا عليهم البقاء هنا لحين موعد الطائرة.
ـ فاق من شروده على صوت كيان الحانق: ناديييم أنت روحت فين.. مالك؟.
ـ هتف ناديم: مفيش يا كيان، يلا نكمل لعب.
ـ هتفت كيان بتذمر وحنق: بس أنا عايزة أروح لشامة.
ـ همّ ناديم بالرد عليها ولكن قاطعه طرق الباب، اتجه وفتحه، وجد شامة واقفة أمامه وحالتها سيئة جدًا، ثيابها غير مهندمة، عيونها حمراء، منفخة من البكاء.
ـ لمحتها كيان من الداخل وفي ثوانٍ كانت بأحضانها هاتفة بخوف على والدتها: شامة أنتِ كويسة، مين زعلك؟ طب أنا اللي زعلتك يا مامي؟ لو عملت حاجة وحشة زعلتك مني، أنا آسفة. والله مش هعمل حاجة تزعلك تاني و ..
ـ قاطعتها شامة ممسدة على شعرها بحنان هاتفة: بس خلاص ياقلبي مفيش حاجة.
ـ رمقتها كيان بنظرات طفولية قائلة: طب أنتِ عاملة كدا ليه؟ أنتِ كنتِ بتعيطِ يا شامة، وجيتِ دخلتِ على الأوضة ومش كلمتيني.
ـ هتفت شامة بإبتسامة مطمئنة: لا يا قلبي أنا كنت تعبانة بس شوية، أكملت متسألة.. آكلتِ؟
ـ هتفت كيان نافية برأسها: لا
ـ قالت شامة بإبتسامة: طب يلا نطلب آكل، عشان كوكو جعانة.
ـ هتفت كيان بسعادة وفرحة طفولية: يلا
ـ نظرت شامة لناديم الذي كان واقفًا يراقبهما في صمت وهتفت: أطلب آكل يا ناديم.
ـ رمقها ناديم بإبتسامة مردفًا: حاضر..
ـ ابتسمت له شامة إبتسامة لم تصل لعينيها وإلتفتت لكي تغادر إلى غرفتها وهي حاملة كيان على ذراعيها، ولكن قاطعها صوت ناديم متسائلًا..
ـ شامة أنتِ كويسة؟
ـ إلتفتت إليه مردفة بهدوء ودموع متحجرة بمقلتيها حاولت منعها من الهبوط كالسَريّ على وجنتيها..
ـ الحمدلله يا ناديم..
ـ قالت كلماتها و ولجت متجهة لغرفتها ومعها كيان.
••••••
ـ تمام، هنهجم عليهم بكرا..
ـ هكذا هتف حمزة لمازن..
ـ أومأ مازن برأسه مردفًا: تمام، كل حاجة بقت جاهزة.
ـ نهض حمزة من مكانه هاتفًا: طب يلا سلام أنا همشي، يلا هتروح معايا؟
ـ نفى مازن برأسه قائلًا بإبتسامة: لا هعدي على بيت مي قبل ما أروح.
ـ ابتسم له حمزة داعيًا لهما بالسعادة الدائمة وهتف.
ـ طب أنا همشي، عايز حاجة..
ـ أجابه مازن مبتسمًا: سلامتك..
ـ صعد حمزة سيارته واقتادها مغادرًا للمنزل..
•••••
ـ طلب ناديم الطعام لهم وجلسوا يتناوله مع مرح كيان وناديم وشامة التي كانت شاردة في عالم آخر، فاقت على هزات كيان لها..
ـ أردفت كيان بتساؤل: شامة أنتِ مش بتتكلمِ معانا ليه؟
ـ ابتسمت لها شامة وأردفت: ها يستِ كنتوا بتقولوا أيه؟
ـ هتفت كيان وهى تنهض من مكانها: خلي ناديم يقولك عقبال ما أروح أغسل إيدي.
ـ ابتسمت لها شامة وهزت برأسها، ولجت كيان للمرحاض تنظف يديها وتغتسلها من بقايا الطعام عليها، رمقت شامة ناديم هاتفة بتساؤل..
ـ حجزت الطيارة يا ناديم؟
ـ هز ناديم برأسه هاتفًا: أيوة ..
ـ أردفت شامة بإستفهام: الطيارة هتسافر الساعة كام؟
ـ حمحم ناديم هاتفًا: بعد بكرا..
ـ تفاجأت شامة من حديثه وأردفت بغضب: نعم يا ناديم، ليه محجزتش في بتاعت بكرا؟!
ـ هتف ناديم مهدائًا لها: أهدي بس متتعصبيش، أنا اتصلت عشان أحجز زي ما قولتِ.. بس قالولي أول طيارة مسافرة على كندا بعد بكرا.
تنهدت شامة بضيق وهزت برأسها بقلة حيلة، فهى تحتاج الآن لأحد ترتمي بأحضانه وتبكي وتبكي حتى تفرغ ما بداخلها من ألم، ووجع ولا تريد سوى أحضانه هو، معذب قلبها؛ فصبابة قلبها أرهقتها، أدخرت طاقتها، أهدرتها في سنين الحرمان.