وهل هناكَ أجملَ منَ القرآنِ، وصحبةِ القرآنِ؟ نعم؛ فأنا لم أرَ جمالَ حياتي إلا حينما تجملتْ بالقرآن، هل جربتَ أن تقضي وقتًا طويلًا لا يقلُّ عن ساعةٍ مُلازمًا لمصحفِكَ تلاوةً وخشوعًا!؟
فأصحابُ القرآنِ يُعرفونَ بينَ الناسِ كما تُعرفُ النجومُ في السماءِ، تكادُ ترى في عيونِهم جنةَ الخلدِ، ترى السكينةَ في وجوهِهِم، وعطرَ تلاوةِ القرآنِ في أنفاسِهم.
رُبيتُ على أنَّ القرآنَ هو النجاةُ لي من كل شرٍ، عندما يُصيبني حزن لم أهرعْ لصديقٍ، ولمْ اشتكِ لحبيبٍ، وإنما كنتُ أرتلُ كتابَ اللهِ؛ فأشعرُ أنَّ اللهَ يحدثُني، أكادُ أقسمُ أنني كنتُ أشعرُ وكأن ربي يُضمدُ جراحي بكلامِه الجليلِ، لا أستطيعُ تخيلَ حياتي بدونِ القرآنِ؛ فهو عِزِّي وعَزَّتي وراحتي ومأوى قلبي.
تخيلْ معي، كيفَ يكونُ شُعورُك عندما يُنادي عليك باسمِك: يا فلان! هَلمَّ فقد حانَ وقتُ تتويجِك؛ فتتعجبُ قائلًا: أنا؟
فترى رجلًا شاحبَ الوجهِ، ينظرُ إليكَ ويسألُك: هل تعرفني؟
فتجيب: لا.
فيقول: أنا الذي أظمأتُ هواجرَك بالَّليل، أسهرتُ عيونك تُطالعني، ثم يُنادي منادٍ آخرَ؛ فيقول: يا فلان اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتلُ في الدنيا؛ فتشعرُ بالخوفِ والقلقِ لأنك لأولِ مرةٍ ستقرأُ أمامَ رب الكونِ مَن أنزلَ القرآنَ، وترى نفسك أمامَ جمعٍ هائلٍ من حفظةِ القرآنِ وأهلهِ؛ فيطمئنُك قرآنَك.
تخيل معي! حفلُ تكريمك يحضرهُ حبيبُك رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، والسفرةُ الكرامُ البررة، ثم يُنادَى عليك، ويُوضع على رأسِك تاجَ الوقار.
تخيل معي، كيف تكون سببًا في تكريم والديك بحُلتَين عظيمتين لا تُقارن بهما الدنيا بما فيها؛ فيتعجبان؟ كيف لنا هذا يارب؟
فيقال: هذا بسبب ولدكما، وحفظهِ للقرآنِ.
اترك العنانَ لقلبك اليوم يشهدُ عليكَ القرآنُ، ذلك الذي اتخذته صديقًا فكان، نعمَ الصديقُ، ونعمَ الرفيقُ.
أرأيتَ هذه العظمة؟ حينما اتخيلُ كل هذا ينتفضُ قلبي بهجةً وترجي؛ فكم أتمنى لو أُكتب من أهلِ القرآن حقًا.
حقًا ليسَ هناك جمالًا يُعادلُ ذاكَ الجمالِ، وذاك الشعور عندما ترتلُ في حضرةِ رب الكون _جل وعلا_، هذا الشعور يجعل قلبي يقفزُ شوقًا لتلك اللحظاتِ.
عَوضني القرآنُ عن كل عسرٍ مررتُ بِهِ، وعن همومِ حياتي التي أثقلتْ ظهري.
حفظتُ القرآنَ؛ فحفظني القرآنُ، بل وجمَّلَني وجمَّل حياتي.
بقلم: نورا فرج مبروك
