وحينَ اشتدّ الشوق في قلبي قلت: ربّي أرني إياه ولو حلمًا.
ـ كانت كيان تعبُر الطريق بعدما ابتاعَ لها الرجل بعض البلونات، وقفت في نصف الطريق بعدما رأت ناديم وشامة واقفين، أخذت تنادي على ناديم وتلوح بيديها له، ولم تنتبه لتلك السيارة المسرعة تجاهها، نظر ناديم ناحية الصوت الصادر الذي ينده باسمه، نعم؛ فهو يعرف هذا الصوت جيدًا، التفت لها ناديم سريعًا وابتسم ملء شدقيه، وحمد الله في نفسه على وجودها سالمة؛ ليحول نظره لشامة التي كانت تبكي وهو يردف:
ـ شامة، بصي هناك.
ـ نظرت شامة إلى ما ينظر إليه ناديم؛ حتى اعتلت البسمة محياها، ولكنها اختفت تدريجيًا عندما وجدت السيارة مسرعة تجاه ابنتها؛ لتفزع وهي تصرخ بناديم:
ـ شامة بصراخ ودموع: ن...ناديم، كيان، كيان.
ـ هرول ناديم وشامة إلى كيان، ولكن كانت السيارة أسرع منهما، صرخت شامة بهِياط وصرخة داوى صداها في المكان، وسقطت مغشيًا عليها بين يدي ناديم الذي كان ينظر للاشيء بهِياط.
ـ كانت تتوسط الفراش والهُزال يجتاح ملامحها، والدموع تذرف من مقلتيها المغمضتين، وينعاد أمام عينيها السيارة وهي تسرع تجاه ابنتها؛ لتنهض بفزع وهِياط وهي تصرخ باسم كيان، أخذت تجول الغرفة بعينيها بتَبرم، أذرفت الدموع من عينيها وه9ى تنهض من الفراش بلوعَة وهُزال، اتجهت إلى الباب وهي تبكي بلوعَة وتصرخ باسم كيان، اندفع ناديم الذي كان يقف بالخارج أمام الباب، دفع الباب ودلف وجدها تنتحب وتتجه إلى الباب بكلالة وهُزال وكانت على حافة أنها تسقط، ولكن يداه كانت الأسرع، أمسكها ناديم واتجه بها للفراش مجددًا ووضعها عليه؛ لتردف شامة بهُزال وهِياط:
ـ كيان يا ناديم، بنتي، فين كيان؟
ـ ليزداد بكاؤها بشَجن شديد؛ ليقطع صوت بكاءها صوت تعرفه جيدًا، نعم إنه صوت كيان، ابنتها الحبيبة، التي عوضتها عن فقدانها واشتياقها لحمزة؛ لترفع رأسها بهُزال والدموع متعلقة بأهدابها، وجدت من تهرول إليها وترتمي بأحضانها وهي تبكي وتردف:
ـ كيان بشَجن: أنا آسفة يا ماما علشان خوفتك عليا.
ـ شامة بعدم تصديق أن ابنتها بين أحضانها الآن وتحدثها، أطبقت عليها شامة وودت لو تدخلها بين أنياط قلبها؛ لتردف:
ـ كدا يا كوكو؟ تعملي في ماما كدا؟ كنت هموت لو كان جرالك حاجة.
لتبعدها عنها قليلًا ولكنها مازالت بين ذراعيها وبختها بلوم: إيه اللي خلاكِ تقومي من جمبِي من غير ما تقوليلي؟ أنتِ متعرفيش حاجة هنا، عايزة حاجة تقوليلي وأنا أجبهالك، متروحيش لوحدك.
ـ كيان بشَجن على والدتها وما سببته لها من هِياط عليها، أردفت وهي تزيل دموع والدتها بأناملها الصغيرة: أنا آسفة يا ماما، والله مش هتتكرر تاني، متزعليش.
ـ شامة بنفي: لا، زعلانة منك، روحي مع ناديم يلا ومتكلمنيش.
ـ كيان والدموع مترقرقة بمقلتيها: خلاص بقى يا شوشو، والله مش هعمل كدا تاني ولا هروح في مكان تاني غير لمّا أقولك.
ـ لتعقد شامة ذراعيها أمام صدرها وتلف وجهها للجهة الأخرى بزعل مصطنع؛ لكي لا تدعها تكرر خروجها بمفردها مرة أخرى.
ـ كيان وهي ترمق ناديم الواقف بجانبهما والدموع متعلقة بأهدابها: ناديم، قول لشوشو تسامحني، والله مش هكررها تاني وهسمع كلامها.
ـ قالت كلماتها والدموع تذرف من مقلتيها الزرقاء الرائعة؛ فهي ورثتها عن جدها "والد شامة"، رق قلب شامة على صغيرتها، أخذتها في أحضانها وهي تربت على شعرها بحنان:
ـ شامة: بس يا قلبي خلاص.
لتبعدها عنها وهي تردف بتحذير: بس اللي حصل النهاردة دا ميتكررش تاني.
ـ أومأت كيان وهي تحتضنها مرة أخرى قائلة: حاضر يا ماما، والله مش هعمل كدا تاني.
ـ رمقت شامة ناديم وكأنها تذكرت شيء؛ لتردف باستفهام: صحيح، كيان العربية مخبطتهاش إزاي؟! دي كانت خلاص سنتي وهتخبطها.
ـ ناديم بابتسامة وهو يوضح لها ما حدث: أنتِ أول ما شوفتِ العربية خلاص قربت من كيان وهتخبطها أغمى عليكِ، وأنا اتلخمت فيكِ ومشوفتش اللي حصل وكنت مصدوم، بس لقيت بنت واقعة في الأرض وكيان فوقيها، والحمد لله كانت شدت كيان من قدام العربية قبل ما تخبطها.
ـ شامة وهي تحمد الله بداخلها على نجاة صغيرتها؛ فكان بينها وبين الموت عدة ثوانٍ، أردفت شامة باستفهام: هى فين البنت دي؟
ـ ناديم: على ما أظن إنها مشيت؛ لإني بعد ما شيلتك وجبتك هنا لحقتني هي بكيان، وعبال ما دخلتك الأوضة هنا وطلعت ملقتهاش، لقيت كيان بس قاعدة على الكرسي، و...
ـ قاطعته كيان: لا يا ناديم هي مش مشيت، هي راحت تجبلي ما...
ـ قاطعها طرق على باب الغرفة الذي كان مواربًا، ومن ثم دلفت فتاة هادئة الملامح كالأطفال، وتحمل بيديها زجاجة مياه؛ لتردف كيان بفرحة قائلة:
ـ أهي جات، راحت تجبلي مايه علشان كنت عايزة أشرب وناديم فكرها مشيت.
ـ دلفت تلك الفتاة بحرج وهي تردف: أنا آسفة لو عملتلكم إزعاج، بس جبت المايه لكيان.
ـ أبعدت شامة كيان ونهضت واتجهت لتلك الفتاة، وبدون سابق إنذار أخذتها بأحضانها وهي تردف لها بعبارات شكر على إنقاذ ابنتها:
ـ شامة: شكرًا جدًا، من غيرك مش عارفة إيه اللي كان ممكن يحصل؟ شكرًا ي...
ـ الفتاة: اسمي ضحى.
ـ شامة بابتسامة: اسمك جميل زيك.
ـ ضحى بحرج: شكرًا، دا من زوقك.
ـ بعد وقت من حديثهم معًا أردفت ضحى: يلا سلام أنا همشي، عايزين حاجة؟
ـ شامة: مع السلامة يا حبيبتي، اتشرفت بمعرفتك جدًا.
ـ ابتسمت ضحى ملء شدقيها وأردفت: الشرف ليا، عن إذنك.
ـ غادرت ضحى تحت نظرات ذاك الواقف، والذي اكتفى بترميقها بنظرات إعجاب وبسمة بلهاء ارتسمت على محياه.
ـ غادر ناديم هو الآخر ودلف لغرفته بالفندق، بعدما اطمئن على شامة وكيان وتركهما لينعموا بالراحة قليلًا بعد ما حدث اليوم، ويكملوا عملهم في يوم غد؛ فكانت الساعة قاربت للتاسعة ونصف مساءً.
ـ أبدلت شامة ثيابها وثياب كيان، ومن ثم اتجهوا للفراش ودثروا أجسادهما به، غطت كيان في ثبات عميق بين ذراعي والدتها، وشامة التي ظلت مستيقظة ترمق كيان والدموع متعلقة بأهدابها، وتسأل نفسها: ماذا إذا كان حدث لكيان شيء، ماذا كانت ستفعل بدونها؟ فبالطبع كانت ستموت؛ فكيان من عوضتها عن فراق حمزة عنها، فهى ترى بها حمزة حبيبها؛ فكيان تشبه والدها إلى حدٍ كبير، وبالطبع كانت ستلوم نفسها بعدم حمايتها وحفاظها على ابنتها وتكون أم سيئة في نظر المجتمع وفي عين حمزة بالطبع، ظلت تفكر حتى غلبها النعاس؛ فاليوم كان مليء بالكلالة.
ـ كان حمزة يفترش وسط سريره مغمض العينين ولكنه ليس نائمًا، كعادته يجول بخاطره ويفكر في أيامه الماضية مع معشوقته ومعذبة قلبه؛ فكانت تلك أجمل أيامه التي عاشها قبل ذلك اليوم المشؤوم وما حدث به؛ فهو لا يلوم شقيقه على ما فعله بذلك اليوم؛ فالحب ليس بيد المرء، وإنما بذاك الذي ينبض بين صدره، فهو من يعشق وهو من يكره، لا يمكن للمرء التحكم به ذاك اللعين المؤدي بصاحبه للهلاك، تنهد حمزة تنهيدة تملاؤها صبابة وكلالة وهو يدعو الله بعدم إطالة الفُراق أكثر من ذلك؛ فقد تَبرم، أخذ يدعو الله بداخله بملاقاة وعودة معشوقته إليه قريبًا، وبعدها ذهب في ثبات عميق مع أحلامه الذي ينتظر كل يوم بإسدال الليل ستائره ويتجه للفراش؛ لكي ينعم بأحلامه مع زوجته معذبة قلبه؛ فتلك الأحلام معها هي من تجعله يصبر ويحتسب.
ـ في كندا؛ حيثُ كانت سناء تجلس على سجادة الصلاة تستعد لصلاة العصر، فكانت الساعة حينئذٍ "3:30 pm" بتوقيت مدينة "تورونتو" وهي إحدى أشهر مدن كندا، بدأت بالتكبير ومن ثم الركوع والسجود، وأخذت تدعو الله في سجودها بحفظ وحماية ابنتها وحفيدتها وعودتهما إليها سالمين دون شر، انتهت من صلاتها ومازالت على سجادة الصلاة كما هي تُسبح وتستغفر ربها وتقرأ في مصحفها الشريف، بعدما انتهت نهضت واتجهت لغرفة مريم ابنتها الثانية وهي حازمة على شيء ستفعله.
ـ دلفت للغرفة بعدما طرقت على الباب وأذنت لها مريم بالدلوف.
ـ اتجهت للمريم وجلست بجوارها على الفراش وهي تردف: فاضية؟
ـ مريم باستفهام وهي تترك الهاتف من يديها: خير يا ماما، في إيه؟
ـ سناء بتنهيدة تحمل في طياتها الكثير: هنسافر مصر.
ـ مريم بدهشة من حديث والدتها: نعم!
ـ سناء بهدوء: إيه، في إيه مالك؟ أنا قُلت حاجة غلط؟
ـ مريم: لا يا ماما، بس فجأتيني، وبعدين هننزل ليه؟ شامة كلها شهر وراجعة تاني مش هتستقر هناك يعني علشان نسافر احنا كمان.
ـ سناء: وإيه يعني؟ ننزل نقضي الشهر دا معاها، وبعدين مصر وحشتني أوي، ومتنسيش يا مريم إن دي بلدنا وأهلنا وناسنا هناك، هنا لا أهلنا ولا عادتهم عادتنا.
ـ مريم بهدوء: حاضر يا ماما، شوفي أنتِ عايزة تسافري إمتى.
ـ سناء وهي تنهض وتتجه للخارج: في أقرب وقت، احجزي من دلوقتي الطيارة.
ـ مريم بدهشة من والدتها: دلوقتي يا ماما؟!
ـ سناء: أيوة دلوقتي علشان نلحق نسافر.
ـ استوقفتها مريم وهي تردف: طب مش هنقول لشامة نعرفها؟
ـ سناء بنفي: لا، اعملي اللي قولتلك عليه، هنسافر من غير ما تعرف.
ـ أومأت مريم بدهشة من حديث والدتها وأردفت: حاضر
ـ وأنا أعمل إيه يعني يا ماما؟ ابن أختك اللي قفل.
ـ أردفت بها سارة وهي ترد على حديث والدتها لها:
ـ منى: ما أنتِ اللي خايبة مش عارفة تسحبي لصفك وتوقعيه بكلمتين.
ـ سارة بسخرية: والله! بعد كل اللي عملته دا؟ وبعدين مين دا اللي يقع بكلمتين؟ دا حمزة! دا أنا رامية نفسي ومدلوقة عليه وحاولت أكلمه كتير وبتصل عليه لإما يكنسل عليا أو يرد يقولي أنا مش فاضي عندي شغل، وبروح لهم وبحط ميكب وبلبس وبعمل حاجات كتير علشان أعجبه أو ألفت نظره حتى، وهو ولا هنا، مش شايف قدامه غير ست الحسن والجمال شامة، كل حاجة شامة شامة، ولعند هنا بقى وكفاية، أنا مش هرخص نفسي أكتر من كدا وهو مش طايقني أصلًا.
ـ ألقت حديثها دفعة واحدة، ووقفت تأخذ نفسها ومن ثم أردفت:
ـ عن إذنك، أنا رايحة أنام.
ـ والدتها بسخرية: روحي ياختي، أهو دا اللي أنتِ فالحة فيه النوم، جتك البلا، هبلة زي أبوكِ الله يرحمه.
لتكمل بخبث: بس أنا بقى مش هسكت ولازم حمزة يبقى جوز بنتي.
ارتسمت ابتسامة ملء شدقيها وهي تفكر ماذا تفعل؟
# يتبــــــع...