أُريد منكم أن نتأمل سويًا في قصة سيدنا موسى، ليست بأكملها، وإنما مقتطفاتها الأولى، ومن منا لا يعلم سيدنا موسى وقصة نجاته في صغره؟
دعونا نكمل
جميعنا نعلم عندما حملت أم موسى به؛ فخافت أن يقتله فرعون حين إنتشرت شائعة أن الله سيُرسل نبيًّا، وسيكون هذا النبي مصدر هلاك فرعون مصر؛ فأخفت حملها حين أمر فرعون بأن يُذبح من تلدهم أمهاتهم من ذكور في ذلك الوقت؛ فلما ولدته، أوحى الله إليها أن تضعه في التابوت، وتلقيه في اليم في قوله تعالي في سورة القصص: "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ"، كانت أم موسى خائفة جدًّا حينها، ولكنها فعلت ما أُمرت به؛ فقامت بذلك؛ فطاف في اليم؛ فالتقطته زوجة فرعون وأحبته، وهنا كانت هذه الإلتقاطة من عند الله، وبقدرة الله تغير مجرى حياة سيدنا موسي من الفقر و الموت قتلًا على يد فرعون وجنوده إلى البقاء على قيد الحياة ودخوله البلاط الفرعوني.
أحبت آسيا موسى عليه السلام من أولى نظراتها له؛ فطلبت آسيا "زوجة فرعون" إتخاذه ولدًا لها؛ فأدخلته القصر وأسموه "موسى".
وكلمة موسى في المعجم معناها: المنتشل من الماء.
حينها لم تستطع أم موسى على غيابه صبرًا كما هو موضح في قوله تعالي: "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"؛ فطلبت من أخته أن تتقصى مكانه، وعرفت أنه في قصر العزيز فرعون، ولحكمة من الله، وليرد موسى إلى أمه؛ لكي يستكين قلبها، ويقر قرار عينها، كان موسى يرفض جميع المرضعات اللاتي أُحضرن له، وحينها تدخلت أخته وأشارت بأن تحضر لهم مرضعة لن يرفضها موسى، وأحضرت أمه إليه ورُدَّ إليها؛ فسكنت عينها وقر قرارها كما في قوله تعالي: "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"
وما المراد من كل هذا؟
المراد يا عزيزي أن الله يكتُب الأقدار، ويكتب لنا مصائرنا وطرقنا، وكلها خير؛ بل وأكثر، وما نحن إلا بشرٌ نسير على خُطى الأقدار، لا يحق لنا سؤال الله لماذا أو بالأصح كما تُقال: "لماذا يا الله؟ أو لماذا حصلت على هذا؟"
هناك جواب ولكنه عند الله عز وجل، ومن الممكن أن يؤخر عليك الإجابة، وهذا من رحمته بك، الإجابة ستكون دائمًا لصالحك، وخيرًا لك، وستعرفها، لكن في نهاية الطريق أو إذا حدث شيءٌ يجعلك تتذكر إذا كنتَ فعلتَ شيئًا ما، أو سرت في طريق ما، أو دخلت في تخصص ما، ما كنت لتكون على ما عليه الآن من خير، من الممكن أن تريد مجموعًا أو جامعة، لكن الله يريدك في طريق ثانٍ، سيرزقك فيه، وسيكون خيرًا لك عن اختيارك، أريدكم أن تعرفوا يا إخوتي أن اختيار الله هو الأصلح، واختيارتنا دائمًا هي الأطلح.
فإذا لم تُلقِ أم موسى ابنها في اليم ما كان ليبقى على قيد الحياة، وإذا لم تؤمن وترضى أمه بقرار الله ما كان ليعود لها من جديد.
وستتذكرون كلامي بمرور الأيام، إذا كنتُ حيًّا أو كنتُ قد رحلتُ مع من رحلوا تحت التراب.
الكاتب/ محمد جمال