جريدة لَحْنّ

رئيس مجلس الإدارة / عبير محمد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

حوار صحفي بين الصحفية مريم مصطفى والكاتب الحسين الرحاوي. |جريدة لَحن الأدبية والأخبارية.

1. سؤال: نبذة تعريفية؟
ج: بداية، اسمحي لي سيدتي الكريمة، أن أجزل عليك بعضا من شكري، من خلالك وعبرك، أوجه بشكر موصول إلى لحن جريدتكم الأدبية.
مرحبا، الحسين الرحاوي، شاب يدنو من إقفال عقده الثالث، شاب، لديه أهداف وأحلام كثيرة، أسعى دوما لملاحقة تلك البقع التي عملت على ترسيمها في لحظات ما من حياتي، متاعي لملاحقة تلك الطموحات هو "الكتابة" وقبل الكتابة كنت ولا زلت قارئا، لهذا كنت أحاول الالتفاف على سؤالك_مشكورة_ لأني أولا؛ لا أطيق الحديث عن نفسي، أما السبب الثاني، فمرده لتعدد اهتماماتي، موزع بين الإبداع والنقد، النقد والإبداع... فعلى وجه الدقة عندي، أنا قارئ محترف، وكاتب لا يستبدل.
  ترعرعت في كنف قرية تحادي جبلا يضرب بأنفه الفخور عرض السماء، عزلة تامة، احتسيت الصمت بلا حساب؛ طول تلك الطفولة السحيقة التي تجاوزت الألف عام من العزلة، التهمت الكتب بشراهة، كسائح، عشت "بينيا"، كأجنبي، أبدا، مطلقا ودائما، أفتح الخريطة لأعرف أين أنا قبل أن أبحث عن المكان الذي اتجه إليه.
2. سؤال: متى بدأت الكتابة؟
ج: : إن هذا السؤال بالذات، يقودني بالضرورة إلى استحضار لحظة فارقة بالنسبة لي، مدين لها بكل شيء، بحياتي كلها أدين لها، كنت أعمى، طفل مندفع اندفاعا شديدا، مقبل على الحياة، لي أصدقاء كثر، وحّدنا فضاء الريف، كانت عطل نهاية السنة، موعدا منتظرا، فرصة لها بالغ الأثر في حياتي، من خلالها تعرفت على الوجه الآخر لذلك العالم الذي ليس وحده هو كل شيء، لم يكن هناك الصمت وحده، ولم تكن هناك العزلة فقط، ثمة الصخب، ثمة كل شيء يندفع بلا شكيمة، الحب العنف، الجريمة، كان هنا تناقض، خبرات حياتية كنت أملأ بها صحائف كتابي، الذي هو حياتي، كنت دائما الزعيم بين الأقران، كنت أتموقع بين الجرأة والخوف، وفي كلتا الحالتين، محب للاكتشاف بددت خوفي بكسر جدار الظلام –لا الصوت/الصمت-بمناورة؛ درس أعده لي والدي.. .
لم أكن لأعرف بأمر الكتابة يوما، لولا فعل القراءة نفسه، كانت قصص، جحا وكانت مجلة العربي الصغير والكثير من القصص هي من مسحت الغبش من عيني..مروضة جموح الحيوان الراكض داخلي... وهذا سبب جعلني أشارك بالخواطر الثلاث، لأني بالمقام الأول بقيت طيلة حياتي أحفظ تلك الذكرى/الذكريات وها قد آن الأوان لإفشائها. جرعة، جرعة، سكرة، سكرة، أفشيها الآن، لأني كما كنت، لا زلت أعمى، بفارق واحد ووحيد، لم يعد يهمني القرين، الظل/ الشخص، النسخة/ الأصل.
يمكنني أن أقول؛ بأني بدأت الكتابة في سن صغيرة، في الصف الرابع ابتدائي، وأمكنني أن أقول أيضا، أن بالكتابة تعلمت أن أكون إنسانا، بالكتابة مددت جنوني وصُنته من غارات السُّخف، والغباء بالكتابة لا زلت حيا لحد الآن ..
3. سؤال: ما العوائق التي واجهتك؟
ج: : إني حقا، لو تماهيت مع سؤالك، سأجدني أناقض ما قلته ٱنفا، لقد عشت حياتي على الدوام بعمق، حتى اللحظات البئيسة كنت أقتنص من عمقها ما هو إيجابي، لذلك لم أكن سلبيا يوما، ولا متشائما، وإن كانت كتاباتي تحمل نبرة غضب، فلأني لا أختار ما أقوله، ولكن أقول ما علي قوله، لهذا اقترب كثيرا من بورخيس، في قوله بأنه يجد سعادته عند القراءة لا عند الكتابة، لأن القارئ قد يختار قراءة ما يرغب هو في قراءته، ولكن لحظة الكتابة، فليس ثمة اختيار، فيجد الكاتب نفسه مرغما على قول أشياء لا يود هو نفسه قولها، ولكن، قولها ضروري.
أعود للسؤال كما طرح، إن الطفل الذي كنته، بقي معي دائما.. ذلك الطفل الذي سرق النار في الوقت الذي كان أقرانه يسرقون أشياء أخرى، لم أتنكر لذلك الطفل أبدا، وهنا أعود لأبيات شعرية، كنت سعيدا بها قبل ثمان عشرة سنة من الٱن، لما وجدتها منسدلة على صفحة مطوية بأناقة، موضوعة خلف غلاف المجلة العتيدة، مجلة العربي الصغير، عمرت معي تلك الصفحة والأعداد طويلا أزيد من تسع سنوات، كانت الأبيات للمتنبي. يقول فيها:
إذا غامرت في شرف مرومٍ __ فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغيرٍ__ كطعم الموت في أمر عظيم
كنت أعي هذا تماما، وكنت أنازل قدري ببسالة، لذلك أعيش مطمئنا راضيا على حققته، على ما كتبته، وفي النفس دائما شيء من حتى، ذلك الطموح الكبير، ذلك اللامكتمل الذي لا يكتمل. لهذا لا ألتفت لمن يتجندل في جلاجلي، أنظر أمامي فقط، وقبضتي أبسطها وأقبضها، وفي الجيد دائما، التذكرة، التذكرة؟
4. سؤال: كيف واجهت تلك العوائق؟
ج: إن قولي السابق، بالطموح، والآمال، ليس من قبيل الرومانسية، ولا الطوباوية الخرقاء، أتخطى كل ما لا يعجبني، كما شيللر، أقول كما قال قبلي، لدي ما هو أهم من هذا، فأمضي، في حال سبيلي، خارج التصنيفات، والمواضعات، راحلتي شموخ الجبال، وغضب الرياح، أما وجهتي ففيها شيء من تواضع الأنهار لا سكون البرك.
وبالتالي، أنا لا أتخطى أي شيء، فقط أتجاهل، كل شيء عندي يتأطر ضمن ما أسميه بالخبرة الإنسانية، عموما، والكاتب، كما الباحث، يحتاج لمعارف كثيرة حول هذا الذي ذكرناه، ليكتب، كتابة تحمل معها إلى جانب اللذة منفعة تمكث لا تزول.
فالكاتب الحقيقي؛ بالقدر الذي يكون غير مرغوبا فيه، بجنونه، بفصاميته، يكون محبوبا.
5. ما مواصفات الكاتب الناجح، في نظرك؟
الكاتب الأقرب لصفة الناجح،هو الكاتب الأقرب لصفة الفاشل، بالنسبة لي لا اعتبر النجاح غاية، ولا وصفة، ولا هدف، ولا اطمئن لمن يعتبر الأمر كذلك، بتعبير آخر، يجب على المبدع أن يكون مترددا، متوجسا، لأنه_في نظري_ لا نجاح متحقق، كما هو الحال مع السعادة، فعلى أية حال، ليست النهاية هي الأهم بل الطريق هو المهم، يحضرني سؤال شيخ لفتى يسأله عن الحد الذي وصل في سعيه،
-عالقٌ يا شيخي في الطريق، فلا بقيت براحة الجاهلين، ولا أدركت لذة العارفين!
-لا بأس يابُني، فالسير على طريق الوصول وصول.
 فلهذا، وهذا ما أقوم به شخصيا، أتوقع الأسوأ، لأن توقع الأسوأ يرفع من درجات التحدي.. ويقي من الغرور.-ثم وهذا أمر ضروري- لا بد للمبدع -أيا كان حقل اشتغاله انشغاله،- من تجديد معارفه، فلا إبداع ولا استمرارية دون معرفة، حتى لا يكرر نفسه، وحتى لا يستهلكها. وحتى لا يموت وفي يده التذكرة عبثا في وجه الجماجم مشهورة.
أما الملمح البارز، عندي، به أقرأ مطمئنا لمبدعين او أتابع مندهشا، فهو مدى قدرة المبدع على سلخ السؤال الميت لبعث أسئلة حية بدلا منه. فالنجاح غير مرتبط بالجدة، بل بالدهشة عموما. تلك الدهشة التي غادرت الوجود المفرغ،
6. سؤال: من هو مثلك الأعلى؟
إن الإجابة هنا، إذا افترضنا أن الجواب يحمل شيئا من الحقيقة، فالحقيقة نفسها منذورة للتغير، فمثلي الأعلى وأنا أطفل، وأنا تلميذ، وأنا يافع، وأنا شاب، وأنا طالب، ثم وأنا الآن طفل يؤلف بين كل هؤلاء، أكيد في كل المراحل السابقة كان لي الكثير من المفكرين والمبدعين أضعهم بمثابة نماذج تمثل الاكتمال، وأن تلك النماذج هي ما توجب علي أن أكونها، لكني اكتشفت فيما بعد، أنه لكي أكون شيئا لابد أن أكون أنا نفسي، وليس شيئا آخر، مهما كان ذلك الآخر، بعدما قرأت الكثير ونسيت الكثير اكتشفت أن القراءة والكتابة عندي ضرب من ضروب السعادة، من حيث لا أدري، يقفز بورخيس إلى ذهني مرة ثانية، وهو يلقي وصيته التي لم يرغب في كتابتها، بالقول، بأنه لا يجب الاغترار بسمعة كاتب من الكتاب. لذلك حينما تضيق بي مساحات البحث، تنفتح بي رحابة الإبداع، وفي الحياة أتعامل مع كل شخص، شخص، على أساس أنه نسخة لا تتكرر، لأنني أنا أصلا ولتعتبروا هذا غرورا او ما شئتم، نسخة لا تستبدل!
7. سؤال: من شجعك في بداية مشوارك؟
ج: أسطيع القول، أني لا أجد أدنى تفسير لهذا أقصد اختياري هذا، بخاصة أن المحيط لم يكن الكتاب من ضمن اهتماماته، لكن أستطع القول بكل تأكيد أن والدي هماأوائل الداعمين، ولا زالوا كما أول مرة، مؤمنين، محفزين، راضين، معتزين، لا زلت-في كل مرة- أي إنجاز مهما كان صغيرا، لهم أمنحه، هم وحدهم من يستحقون،وحدهم، ثبتوا، وحدهم علموني ومن جلالهم لا زلت أتعلم.
ثم، لا أنكر فضل أساتذتي علي، كنت محظوظا، شرفني على طول مساري حضور أساتذة أكفاء، تمموا ما بدأه والداي، في الوقت الذي أكون قاب قوسين أو أدنى من الارتطام بفعل الممهاة من حيواني الراكض، كان دائما يكون أستاذا في طريقي يعيد توجيهي الوجهة التي خلقت منذورا لتوليها... فعلى سبيل المثال أعود لذكر مجلة العربي _التي اعتبرها مدراجي الأول من خلال موادها الثرية أدمنت الحروف شيئا فشيئا_...وأنا في كل هذا أكن جميلا للأستاذ الذي درسني مادة اللغة العربية بفضله عشقت رائحة الورق، ورق غير ورق مقررات الدراسة... رحمه الله رحمة واسعة.
سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري**صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ
(المتنبي(
8-الوسط الفني مفتاقد إيه؟


على الأرجح، مجانين، او قنابل ذرية، كتلك التي ألقى بها فن كوخ، بعيون ٱنتوان ٱرطو الذي أعلى من جنون الأول في وجه المجتمع المحافظ.. ثمة كساد، وهذه حقيقة، ثمة احتكار وهذا واقع، ضُرب منطق المجايلة عرض الحائط لا السماء، فصارت الجموع الٱن تعيش فيما يسميه هايدغر بالوجود الزائف، في الوقت الذي كان حري بنا أن نعيش في وجود أصيل. وبين الوجودين بقيت أسئلة من قبيل: القلق، التوتر، المسؤولية، الحرية، أسئلة معلقة، بلا جواب.

9-تنصح كتاب مبتدئين بإيه؟

بالإيمان، الإيمان بأحلامهم، وطموحاتهم، وبالمعرفة سندا، وطريقا، والحرف مدرجا للتقدم لا الوصول.. 
بحاجة جميعا للخيال، الذي فقدناه، ذلك الفقد الذي عمق زيف وجودنا، لذلك الٱن، الوسط الذي تحدثنا عنه سابقا، صار كقطعة سكر يتحلق حولها الدباب، لقد مات الخيال، لا بل انتحر الخيال.
 فالمعذرة للكبار وهم يلوذون للصمت بينما الأقزام تستعرض، وتترنح.
إن الإبداع، كالبحر، ليس فيه أجيد السباحة أو لا، فالغرق يكون، يكون، متى توقفنا عن التجديف، كذلك شأن الكتابة، حتى الكبار إذا ما توقفوا عن التفكير فإنهم يشيخون، ومن ثم فأمام امتحانات الحياة، نحن دائما مبتدئين، ونحن دائما للخيال العميق نتتطلع ونرجو، والرصين، لا يموت، والبركان لا يخمد

10- كلمة أخيرة، نختم بها الحوار؟

سعيد بهذا، الحوار، سعيد بك وانت تدفعنني بالسؤال لأنجب المزيد من الأسئلة، إن كان لا بد من كلمة أخيرة، ما دمنا في كنف مصر، مصر، الفن، والثقافة، التاريخ والحضارة، أحب أن استحضر قول عميد الأدب، طه حسين، "أنا قلق دائما، مقلق دائما، مثير لسخط من حولي".

عن الكاتب

Aamal Hosny

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

جريدة لَحْنّ