جريدة لَحْنّ

رئيس مجلس الإدارة / عبير محمد

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أبكاني القدر وفارقني القمر.



_أمي أعِديني بالبقاء جانبي. 

قالت: أعدكِ يا طفلتي الجميلة. وقبلتني بحنو أمومي؛ فابتسمت وأعطيتها وردةٌ بيضاء صافية كصفاء قلبها.

فأخذتها وضحكت ضحكتها الرنانة، وقالت: أتغازليني أيها الصغيرة؟

فقلت بغمزةٍ: أغازلكِ لأنكِ معشوقتي.

 حينها دخل أبي، وببكاء مصطنع قال: أتغازلين أمكِ؟ وماذا عن أباكِ يا صغيره؟

 فاركض نحوه وعانقته، وقلت: هذا لكَ يا أبي، ولكن لا تناديني صغيرة لقد كبرت، ألا ترى؟

 فضحكا كلاهما بصوتٍ رنان.

ومن ثمَ ذهبت إلى مدرستي برفقة رفيقتي هالة؛ فَأنا أبلغ من العمر أحدى عشر عامًا.

هالة: كيف حالكِ يا جميلة؟

_بخير وأنتِ.

= بخير أيضًا.

وبعد القليل من الوقت وصلنا إلى فناء المدرسة، وكنت أنا من ستلقي النص في الإذاعة المدرسية، وكانت من تأليفي؛ فقد عشقت الكتابة لأجل أمي.

(أمي يا وردةً بين الأشواكِ نُبتت، يا قلبٌ بالحنان تحلى، أمي يا نور دربي، يا رفيقة عمري)، ولم أكمل حديثي حتى رأيت الجميع يصقفُ بنظرات إعجاب، انتهت الإذاعة المدرسية وذهبت بصحبة هالة إلى الصف، وبعد وقت ليس بقليل انتهت كل الحصص وذهبت مغادرة المدرسة، وكنت كالعادة مع رفيقتي هالة.

دق دق دق 

أمي لقد أشتقت لكِ.

قالت: أنا أكثر اشتياقًا لكِ. يا جميلة هيا اذهبي وابدلي ثيابكِ حتى أكون انتهيت من إحضار الطعام.

ذهبت إلى غرفتي، ولبست ملابس قطنية مريحة، ثم ترقبت المكان جيدًا حتى أيقنت أنه خالي، وذهبت إلى غرفة أبي؛ فدققت على باب غرفته؛ ففتح لي بحذر، وقال: هيا اسرعي بالدخول، ثم تصافحنا ونحن نكاد من كثرة الضحك ننفجر.

قال أبي: لقد جهزت كل شيء  لحفلة اليوم. 

لقد نسيت اخباركم بأن عيد ميلاد أمي اليوم، وأنا وأبي نحضر لحفلة لمفاجئتها.

وها قد جاء المساء، وأتى الجميع كانت الحفلة في أحد الحدائق، كانت مزينة باحترافية، وكانت الأجواء رائعة، ذهب أبي لإحضار أمي؛ فهي حتى الآن لا تعلم بشيء، وبعد القليل من الوقت أتى أبي وأمي، وقد تعالت الصفافير معلنة الحفل، أدمعت عين أمي من كثرة اندهاشها؛ فذهبت لها وعانقتها، وأتي أبي بمعانقتنا سويًا، وكان مصور الحفلة قد التقت لنا صورة دون أن نعلم؛ فتعالت الضحكات من حولنا وضحكنا نحن أيضًا، وكنت لفرحة أمي أكاد أطير؛ فهي نور عيني ونبض قلبي، انتهت الحفلة بسلام، وكانت أمي من كثرة الفرح تتطير، ذهب الجميع ونحن انتظرنا بعض الوقت ثمَ ذهبنا، ولكن ونحن في طريقنا للمنزل أتت سيارة بسرعة رهيبة، وأصابت أمي فجأة وجدها على الأرض ملطخة بالدماء، وكأنني انعزلت عن العالم وشُل جسدي، ركضت نحوها أتحسس وجهها وأبكي بل كنت أصرخ، أضرخ وصراخي يمزقني، أمي أمييييي أرجوكِ انهضي، كان أبي يتحسس نبضها ثم بكى، بكى بحرة، ه ولأول مرة أرى أبي في هذه الحالة، صرخت به وقلت: أمي أميييي يا أبي هي تمزح، أخبرني أنها تمزح.

 حاول أبي تهدأتي والدموع تملأ وجهه، والجميع من حولي يهمس: يا حرام إنها صغيرة. وجاء رجلًا ومعه غطاء ووضعه على جسد أمي، صرخت بأعلى صوتي، وذهبت له وضربته، وقلت: ماذا تفعل؟ أمي تمزح، أنا أعلم ذلك.

 أخذني أبي بين أحضانه وهو يحاول التماسك أمامي وحاول تهدأتي، ثم أخذ يغطي أمي بأكملها بغطاءٍ أبيض، وكان وجهه يشع منه النور؛ فذهبت نحوها حين رأيت أحد الموجودين يقوم بحملها، ذهبت متعلقة بها أبكِ، أبكِ وأصرخ؛ فكيف لي أن أعيش بعدها؟ 

ظللت أبكِ؛ فأبعدني أبي عنها، ثم تلونت الحياة أمامي بلون الأسود، ولم أشعر بنفسي سوى وأنا على سريري والجميع من حولي لابسون أسود، وها تذكرت، تذكرت موت أمي؛ فصرخت باسمها؛ فجاء أبي وعانقني، وقال: اهدئي، لا توجعين قلبي أكثر. 

فقلت: أمي، أمي يا أبي، أنا أشتاق لها، أريد أمي.

 فَرد بصوتٍ من كثرة الحزن لا يُسمع: أمكِ رحلت إلى مكان أفضل.

وها قد مضى على فراقها أعوام، ومازلت أعيش على زكرانا سويًا؛ فحقاً أشتاق لها، أريد أن أسمع صوتها ولو مرة واحدة؛ فهي كانت أمي ومعشوقتي وجميلتِي وأنيستي، رحمة الله عليكِ يا أمي.


(ذهبتي ومازلتِ تسكني أركان قلبي ودربي)

#تمت

#شهد جمعة

عن الكاتب

Asmaa Almadany

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

جريدة لَحْنّ