فِي غُرفةِ مظلمة تقريبًا إلا مِن نُور خَافت، كَان هُناكَ سَيدة فِي العِقد الخَامس مِن عُمِرها، جَالسة مُمسكة بِصورة مُحتضنة إيَاها لِشاب لَم يَتجاوز الخَامسة والعُشرون مِن عُمره كَأنها تَحتضنه هو وتُعانقه، تَبكِي عَليه بُكاءً مَرير، تَبكِي علىٰ فَلذة كبَدها، وتُحدث الصُورة قائلة:
مَابكَ يابُني، أَعلم أنكَ فِي جَنةِ خُلد، فِي فِردوس مَع زُملائك الشُهداء، والصِديقين، والأنَبياء، إنِي أَشعر بكَ دائمًا، لا تَعتقد أَني نَسيتكَ، فَواللّٰه لَنْ يحدث أبدًا، فَكَيف أَن تَنسىٰ الأُم فَلذة كَبدها وَولِدها؟
فَأنتَ مَوجود دَاخل قَلبي، تَاللّٰه اشَتقتُ إليكَ كثيرًا، ولَكن اللّٰه أَراد أَخذكَ مِني، وأَنه لَخير لِي أَنا لَا أَعلمه حتىٰ الآن، لأن اللّٰه لَا يَأتي بِشر لِعباده أبدًا، فَمَاذا لَو كَان لنَا لِقاء فِي الدُّنيا مَرة ثَانية مَع أَنه مِن سَابع المُستحيلات؟
وَلَكِن رُبما لأخَففَ حِدةَ شَوقِي إَليكَ، فَأَلَجأ للكَلماتِ وَأتَخيلكَ مَعي فِي كُل مَكان، سَأجذبكَ إليَّ وأُعانقكَ بِكل حُبٍ فَأنتَ وٕلدي التِي حُرمتَ مِنه مُبكرًا جدًا، وَأنا لَا أَعلم ذَلكَ، فَأَنتَ جِئتَ لي مَلفُوفَا بِعلمِ مَصر، لَكن بالله لو كُنتُ أَعلم ذَلكَ مَع أَنه مُستحيل، لَكُنتُ سَأُجلسكَ مِعي لَيل نَهار وَلن أَترككَ لِحين مِيعاد الأَجلِ وِرَويتَ شوقي إِليكَ، لَكن لا مَفرِ مِن الأَجَلِ، لكنكَ الآن فَوق سَبع سَماواتِ، تَمنيتَ شِهادة فِي الدُّنيا، واللّٰه أَعطاكَ إِياها، لِتفرح وَتَكن مَع الشُهداء، فَلَو كَان بَيننا لِقاء يَاوَلدي،
لأَخُذكَ فِي عِناقٍ سَاحق، وَلَنْ أَترككَ أَبدًا، فَ أنتَ وَلدي الذِي فَقدته فِي سَيناء الحَبيبة، إنه لا يُغلي علىٰ اللّٰه، ولا عليكِ يا سَيناء، فَهو قَدم رَوحه إليكِ، كُنت أَنتظر زِفافه، لَكن قَدر اللّٰه وَمَاشَاء فَعل وَزفتكَ المَلائكةُ يَاوَلدي، أَتذكرُ كُنتَ تَقول دَائِمَا سَأصبحُ شَهِيدًا فِي يَومِ مِن الأيَام، لَو كَان لَنَا لقَاءُ أَخرَ يا وَلدي، سأعُاتِبكَ لأَنكَ رَحلتَ وَتَركَتني فِي دُنيا مَليئةِ بِغَدَرِ، لَكن لنا لقاء في جَنةِ تَجَمعنَا.
بِـقـلـم: دينا شاهين.
